[ بل لا يشعرون ] أي بل هم أشباه البهائم، لا فطنة لهم ولا شعور، حتى يتفكروا في الأمر، أهو استدراج أم مسارعة في الخير ؟ والآية رد على المشركين، في زعمهم أن أموالهم وأولادهم دليلُ رضى الله عنهم كما حكى الله عنهم [ وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين ] وفي الحديث الشريف يقول، :" إن الله يعطى الدنيا لمن يُحب ولمن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب "، ولما ذم المشركين وتوعدهم عقب ذلك بمدح المؤمنين وذكرهم بأبلغ صفاتهم فقال سبحانه :
[ إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون ] أي هم من جلال الله وعظمته خائفون، ومن خوف عذابه حذرون
[ والذين هم بآيات ربهم يؤمنون ] أي يصدقون بآيات الله القرآنية، وآياته الكونية، وهي الدلائل والبراهين الدالة على وجوده سبحانه. وفي كل شئ له آية تدل على أنه واحد
[ والذين هم بربهم لا يشركون ] أي لا يعبدون معه غيره، بل يوحدونه ويخلصون العمل لوجهه قال الإمام الفخر : وليس المراد منه الإيمان بالتوحيد ونفى الشريك لله فإن ذلك داخل في الآية السابقة، بل المراد منه نفيُ الشرك الخفي وذلك بأن يخلص في العبادة لوجه الله وطلبا لرضوانه
[ والذين يؤتون ما آتو وقلوبهم وجلة ] هذه هي الصفة الرابعة من أوصاف المؤمنين، أي يعطون العطاء من زكاة وصدقة، ويتقربون بأنواع القربات من أفعال الخير والبِر، وهم يخافون أن لا تقبل منهم أعمالهم، قال الحسن : إن المؤمن جمع إحسانا وشفقة، وإن المنافق جمع إساءة وأمنا
[ أنهم إلى ربهم راجعون ] أي لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الطاعات والأعمال الصالحة، ولاعتقادهم أنهم سيرجعون إلى ربهم للحساب، روي أن عائشة سألت رسول الله(ص)، عن الآية الكريمة فقالت :[ والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ] أهو الذي يزني، ويسرق، ويشرب الخمر وهو يخاف الله عز وجل ؟ فقال لها :" لا يا بنت الصديق ! ولكنه الذي يصلي، ويصوم، ويتصدق، وهو مع ذلك يخاف الله عز وجل "
[ أولئك يسارعون في الخيرات ] أي أولئك المتصفون بتلك الصفات الجليلة، هم الذين يسابقون في الطاعات لنيل أعلى الدرجات، لا أولئك الكفرة المجرمون
[ وهم لها سابقون ] أي هم الجديرون بها والسابقون إليها، قال الإمام الفخر : واعلم أن ترتيب هذه الصفات في نهاية الحسن، فالصفة الأولى : دلت على حصول الخوف الشديد، الموجب للإحتراز عما لا ينبغي، والثانية : دلت على التصديق بوحدانية الله، والثالثة : دلت على ترك الرياء في الطاعات، والرابعة : دلت على أن المستجمع لتلك الصفات الثلاثة، يأتي بالطاعات مع الوجل والخوف من التقصير، وذلك هو نهاية مقامات الصديقين رزقنا الله الوصول إليها
[ ولا نكلف نفساً إلا وسعها ] أي لا نكلف أحدا من العباد ما لا يطيق تفضلا منا ولطفا، وأتى بهذه الآية عقب أوصاف المؤمنين إشارة إلى أن أولئك المخلصين لم يُكلفوا بما ليس في قدرتهم، وأن جميع التكاليف في طاقة الإنسان
[ ولدينا كتاب ينطق بالحق ] أي وعندنا صحائف أعمال العباد، التي سُطر فيها ما عملوا من خير أو شر، نجازيهم في الآخرة عليها، ولهذا قال سبحانه :
[ وهم لا يظلمون ] أي لا يظلمون من أعمالهم شيئا، بنقص الثواب أو زيادة العقاب، قال القرطبي : والآية تهديد وتأمين من الحيف والظلم
[ بل قلوبهم في غمرة من هذا ] أي بل قلوب الكفرة المجرمين، في غطاء وغفلة وعماية عن هذا القرآن
[ ولهم أعمال من دون ذلك ] أي ولهم أعمال سيئة كثيرة، غير الكفر والإشراك
[ هم لها عاملون ] أي سيعملونها في المستقبل لتحق عليهم الشقاوة، فقد جمعوا بين الكفر وسوء الأعمال، فحقت عليهم كلمة العذاب