لماذا عدل عن قوله :[ تواب رحيم ] إلى قوله :[ تواب حكيم ] مع أن الرحمة تناسب التوبة ؟ والجواب أن الله عز وجل أراد الستر على العباد بتشريع (اللعان بين الزوجين )، فلو لم يكن اللعان مشروعا لوجب على الزوج حد القذف مع أن الظاهر صدقه، ولو اكتفى بلعانه لوجب على الزوجة حد الزنى، فكان من الحكمة وحسن النظر لهما جميعا أن شرع هذا الحكم، ودرأ عنهما العذاب بتلك الشهادات، فسبحانه ما أوسع رحمته، وأجل حكمته!!
قال الله تعالى :[ يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان.. ] إلى قوله [ وموعظة للمتقين ]. من آية ( ٢١) إلى نهاية آية (٣٤).
المناسبة :
لما ذكر تعالى حادثة الإفك، أتبعها بالتحذير من سلوك طريق الشيطان المتربص بالإنسان الذي يدعو إلى السوء والشر والفساد، ثم ذكر تعالى آداب الإستئذان والزيارة، لأن أهل الإفك إنما وجدوا السبيل إلى بهتانهم من حيث اتفقت الخلوة فصارت طريقا للتهمة، فأوجب تعالى ألا يدخل إنسان بيت غيره إلا بعد الإستئذان والسلام، ثم أتبعها بآيات غض البصر.
اللغة :
[ يأتل ] يحلف والألية : اليمين ومنه
[ يؤلون من نسائهم ] اي يحلفون
[ المحصنات ] العفائف الشريفات الطاهرات جمع محصنة وهي العفيفة
[ مبرءون ] منزهون والبراءة : النزاهة مما نسب للإنسان من تهمة
[ تستأنسوا ] تستأذنوا وأصله في اللغة : طلب الأنس بالشىء، قال الشاعر : عوى الذئب فاستأنست للذئب إذ عوى وصوت إنسان فكدت أطير
[ يغضوا ] غض بصره : خفضه ونكسه، وأصله إطباق الجفن على الجفن، قال جرير : فغض الظرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت ولاكلابا
[ خمرهن ] جمع خمار وهو ما تغطي به المرأة رأسها، وخمروا الآنية اي غطوها
[ جيوبهن ] جمع جيب وهو الصدر
[ الإربة ] الحاجة إلى النساء والإستمتاع بهن.
سبب النزول :
١ - كان أبو بكر الصديق ينفق على (مسطح بن أثاثة) لمسكنته وقرابته، فلما وقع أمر الإفك، وقال فيه مسطح ما قال، حلف أبو بكر ألا ينفق عليه، ولا ينفعه بنافعة أبدا، فأنزل الله [ ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة.. ] الآية فقال أبو بكر : والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فأعاد الى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال : والله لا أنزعها منه أبدا.
٢ - عن علي كرم الله وجهه قال : مر رجل على عهد رسول الله (ص) في طريق من طرقات المدينة، فنظر الى امرأة ونظرت إليه، فوسوس لهما الشيطان أنه لم ينظر أحدهما إلى الآخر إلا إعجابا به، فبينما الرجل يمشي إلى جانب حائط وهو ينظر إليها، إذ استقبله الحائط " اي صدمه الحائط " فشق أنفه فقال : والله لا أغسل الدم حتى آتي رسول الله (ص) فأعلمه أمري، فأتاه فقص عليه قصته فقال النبي في : هذه عقوبة ذنبك فأنزل الله :[ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم.. ] الآيات.
التفسير :
[ يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ] اي يا من صدقتم بالله ورسوله لا تتبعوا آثار الشيطان، ولا تسلكوا مسالكه بإشاعة الفاحشة، والإصغاء إلى الإفك والقول به
[ ومن يتبع خطوات الشيطان ] أي ومن يتبع سيرة الشيطان وطريقته
[ فإنه يأمر بالفحشاء ] اي فإن الشيطان يضل الإنسان ويغويه، لأنه يأمر بالفحشاء وهي ما أفرط قبحه
[ والمنكر ] وهو ما ينكره الشرع، وتنفر منه العقول السليمة
[ ولولا فضل الله عليكم ورحمته ] أي لولا فضل الله عليكم أيها المؤمنون بالتوفيق للتوبة الماحية للذنوب، وبشرع الحدود المكفرة للخطايا
[ ما زكى منكم من أحد أبدا ] أي ما تطهر أحد منكم من الأوزار أبد الدهر
[ ولكن الله يزكي من يشاء ] أي ولكن الله بفضله ورحمته، يطهر من يشاء بتوفيقه للتوبة النصوح وقبولها منه، قال القرطبي : والغرض أن تزكيته لكم، وتطهيره وهدايته إنما هي بفضله لا بأعمالكم


الصفحة التالية
Icon