[ ويضرب الله الأمثال للناس ] أي يبين لهم الأمثال تقريبا لأفهامهم، ليعتبروا ويتعظوا بما فيها من الأسرار والحكم
[ والله بكل شيء عليم ] أي هو سبحانه واسع العلم، لا يخفى عليه شيء من أمر الخلق، وفيه وعد ووعيد، قال الطبري : ذلك مثل ضربه الله للقرآن في قلب أهل الإيمان به، فقال : مثل نور الله الذي أنار به لعباده سبيل الرشاد، مثل كوة في الحائط، لا منفذ لها، فيها مصباح أي سراج، وجعل السراج مثلا لما في قلب المؤمن من القرآن والآيات البينات ثم قال :[ المصباح في زجاجة ] وذلك مثل للقرآن في قلب المؤمن الذي أنار الله صدره، فخلص من الكفر والشك، ثم قال :[ الزجاجة كأنها كوكب دري ] أي كأن الزجاجة في صفائها وضيائها، كوكب يشبه الدر في الصفاء والضياء والحسن [ يوقد من شجرة مباركة لا شرقية ولا غربية ] أي توقد هذا المصباح من دهن شجرة مباركة، هي (شجرة الزيتون ) ليست شرقية تطلع عليها الشمس بالعشي دون الغداة، وإنما هي في سهل فسيح، تصيبها الشمس طول النهار، فيكون زيتها أجود وأصفى وأضوأ [ يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ] أي يكاد زيت هذه الزيتونة يضيء من صفائه وحسن ضيائه، وعنى بها أن حجج الله على خلقه تكاد من بيانها ووضوحها تضيء لمن فكر فيها ونظر، ولو لم يزدها الله بيانا ووضوحا بنزول هذا القرآن، فكيف وقد نبههم به وذكرهم بآياته فزادهم به حجة! وذلك بيان من الله ونور على البيان. ثم لما ذكر تعالى هدايته لمن يشاء من عباده، ذكر مواطن هذه العبادة وهي المساجد أحب البقاع إلى الله فقال :
[ في بيوت أذن الله أن ترفع ] أي أمر تعالى أن تبنى وتشاد على إسمه خاصة، وأن تعظم ويرفع شأنها، لتكون منارات للهدى، ومراكز للإشعاع الروحي، قال ابن عباس : المساجد بيوت الله في الأرض، تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الارض
[ ويذكر فيها اسمه ] أي يعبد فيها الله بتوحيده، وذكره، وتلاوة آياته
[ يسبح له فيها بالغدو والآصال ] أي يصلي لله تعالى في هذه المساجد، في الصباح والمساء المؤمنون، قال ابن عباس : كل تسبيح فى القرآن فهو صلاة
[ رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ] أي لا تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها عن ذكر ربهم، ولا يلهيهم البيع والشراء عن طاعة الله، قال المفسرون : نزلت هذه الآية في أهل الأسواق من الصحابة رضوان الله عليهم، كانوا إذا سمعوا النداء، تركوا كل شغل وبادروا لطاعة الله
[ وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ] أي ولا تشغلهم الدنيا عن إقامة الصلاة في أوقاتها، ودفع الزكاة للفقراء والمستحقين، بحدودها وشروطها
[ يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ] أي يخافون يوما رهيبا، تضطرب من شدة هوله وفزعه قلوب الناس وأبصارهم
[ ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ] اي ليكافئهم الله على أعمالهم في الدنيا بأحسن الجزاء، ويجزيهم على الإحسان إحسانا، وعلى الإساءة عفوا وغفرانا
[ ويزيدهم من فضله ] أي يتفضل عليهم فوق ذلك الجزاء، بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر
[ والله يرزق من يشاء بغير حساب ] أي يعطي من شاء من خلقه، عطاء واسعا بدون حد ولا عد، يقال : فلان ينفق بغير حساب أي يوسع كأنه لا يحسب ما ينفقه ! نبه تعالى في هذه الآية، على كمال قدرته، وكمال جوده، وسعة إحسانه، فإنه سبحانه يعطيهم الثواب العظيم على طاعاتهم، ويزيدهم الفضل الذي لا حد له في مقابلة خوفهم.. ولما ذكر تعالى حال المؤمن وسعادته، ذكر حال الكافر وخسارته، وضرب لذلك مثلين : الأول لعمله، والثاني لإعتقاده الخبيث، وتخبطه فى الظلمات فقال سبحانه :


الصفحة التالية
Icon