[ أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله ] أي أم يخافون أن يظلمهم رسول الله في الحكم، والإستفهام للمبالغة في التوبيخ والذم، كقول الشاعر : ألست من القوم الذين تعاهدوا على اللؤم والفحشاء في سالف الدهر ؟
[ بل أولئك هم الظالمون ] أي بل هم الكاملون في الظلم والعناد لإعراضهم عن حكم رسول الله
[ إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ] أي كان الواجب عليهم عندما يدعون إلى رسول الله، للفصل بينهم وبين خصومهم، أن يسرعوا ويقولوا : سمعا وطاعة، فلو كان هؤلاء مؤمنين لفعلوا ذلك، قال الطبري : ولم يقصد به الخبر ولكنه تأنيب من الله للمنافقين، وتأديب منه لآخرين
[ وأولئك هم المفلحون ] أي وأولئك المسارعون إلى مرضاة الله، هم الفائزون بسعادة الدارين
[ ومن يطع الله ورسوله ] أي ومن يطع أمر الله وأمر رسوله في كل فعل وعمل
[ ويخش الله ويتقه ] أي ويخاف الله تعالى لما فرط منه من الذنوب، ويمتثل أوامره ويجتنب زواجره
[ فأولئك هم الفائزون ] أي هم السعداء الناجون من عذاب الله، الفائزون برضوانه.. ذكر أن بعض بطارقة الروم سمع هذه الآية فأسلم وقال : إنها جمعت كل ما في التوراة والإنجيل من مواعظ وروائع.
البلاغة :
تضمنت الآيات الكريمة وجوها من البلاغة والبديع نوجزها فيما يلي :
١ -إطلاق المصدر على اسم الفاعل للمبالغة [ الله نور السموات ] بمعنى منور لكل شيء بحيث كأنه عين نوره، قال الشريف الرضى : وفي الآية استعارة - على تفسير بعض العلماء - والمراد عندهم أنه هادي أهل السموات والأرض بصوادع برهانه، ونواصع بيانه، كما يهتدى بالأنوار الثاقبة والشهب اللامعة.
٢ - التشبيه التمثيلي [ مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ] شبه نور الله الذي وضعه في قلب عبده المؤمن، بالمصباح الوهاج في كوة داخل زجاجة تشبه الكوكب الدري في الصفاء والحسن إلخ، سمى تمثيليا لأن وجه الشبه منتزع من متعدد، وهو من روائع التشبيه.
٣- الإطناب بذكر الخاص بعد العام تنويها بشأنه [ ذكر الله وإقام الصلاة ] لأن الصلاة من ذكر الله تعالى.
٤ - جناس الإشتقاق [ تتقلب فيه القلوب ].
٥ - التشبيه التمثيلي الرائع [ والذين كفروا أعمالهم كسراب ] إلخ وكذلك في قوله :[ أو كظلمات في بحر لجي ] وهذا من روائع التشبيه وبدائع التمثيل.
٦ - الطباق بين [ يصيب به.. ويصرفه ].
٧ - الإستعارة اللطيفة [ يقلب الله الليل والنهار ] إذ ليس المراد التقليب المادي للأشياء الذاتية وإنما استعير لتعاقب الليل والنهار.
٨-الجناس التام [ يذهب بالأبصار ] [ للأولي الأبصار ] المراد بالأولى العيون، وبالثانية الألباب والعقول.
لطيفة :
سمع بعض علماء الطبيعة من غير المسلمين هذه الآية [ أو كظلمات في بحر لجى يغشاه موج.. ] الآية فسأل هل ركب محمد البحر ؟ فقالوا : لا، فقال : أشهد أنه رسول الله، قالوا : وكيف عرفت ؟ فقال : إن هذا الوصف للبحر، لا يعرفه إلا من عاش عمره في البحارورأى الأهوال والأخطار، فلما أخبرت أنه لم يركب البحر عرفت أنه كلام الله تعالى.
قال الله تعالى :[ وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن.. ] إلى قوله [ والله بكل شيء عليم ]. من آية (٥٣ ) إلى آية (٦٤) نهاية السورة الكريمة.
المناسبة :
لما ذكر تعالى المنافقين وما هم عليه من صفات قبيحة، أعقبه بذكر ما انطوت عليه نفوسهم من المكر والاحتيال، والحلف الكاذب بأغلظ الأيمان، وختم السورة الكريمة بالتحذير من سلوك طريق المنافقين.
اللغة :


الصفحة التالية
Icon