[ واستغفر لهم الله ] أي وأدع الله لهم بالعفو والمغفرة، فإن الإستئذان ولو لعذر قصور، لأنه تقديم لأمر الدنيا على أمر الدين
[ إن الله غفور رحيم ] أي عظيم العفو واسع الرحمة
[ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ] أي لا تنادوا الرسول بإسمه كما ينادي بعضكم بعضا بإسمه، بل قولوا : يا نبى الله، ويا رسول الله، تفخيما لمقامه وتعظيما لشانه! قال ابو حيان : لما كان التداعي بالأسماء على عادة البداوة أمروا بتوقير رسول الله (ص) ودعائه بأحسن ما يدعى به، نحو يا رسول الله، يا نبى الله، ألا ترى إلى بعض جفاة من أسلم كان يقول يا محمد فنهوا عن ذلك قال قتادة : أمرهم تعالى أن يفخموه ويشرفوه
[ قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا ] أي قد علم الله الذين ينسلون قليلا قليلا، ويخرجون من الجماعة في خفية، يستتر بعضهم ببعض، قال الطبرى : واللواذ هو أن يلوذ القوم بعضهم ببعض، يستتر هذا بهذا وهذا بهذا
[ فليحذر الذين يخالفون عن أمره ] أي فليخف الذين يخالفون أمر الرسول ويتركون سبيله ومنهجه وسنته
[ أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ] أي تنزل بهم محنة عظيمة في الدنيا، أو ينالهم عذاب شديد في الآخرة
[ ألا إن لله ما في السموات والأرض ] أي له جل وعلا ما في الكون ملكا وخلقا وعبيدا
[ قد يعلم ما أنتم عليه ] أي قد علم ما في نفوسكم من الإيمان أو النفاق، والإخلاص أو الرياء
[ ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا ] أي ويوم القيامة يرجعون إليه فيخبرهم بما فعلوا في الدنيا، من صغير وكبير، وجليل وحقير، ويجازي كلا بعمله
[ والله بكل شيء عليم ] أي لا يخفى عليه خافية، لأن الكل خلقه وملكه، وهم في قبضته وسلطانه، لا تخفى عليه أعمالهم وأحوالهم.
البلاغة :
تضمنت الآيات وجوها من البلاغة والبيان نوجزها فيما يلي :
١ - الإستعارة اللطيفة [ جهد أيمانهم ] شبه الإيمان التي يحلف بها المنافقون، بالغين فيها أقصى المراتب في الشدة والتوكيد، بمن يجهد نفسه في أمر شاق لا يستطيعه، ويبذل أقصى وسعه وطاقته، بطريق الإستعارة التبعية.
٢ - المشاكلة [ عليه ما حمل وعليكم ما حملتم ] أي عليه أمر التبليغ وعليكم وزر التكذيب فالمعنى في الموضعين مختلف.
٣ - الطباق بين الخوف والأمن [ من بعد خوفهم أمنا ] وكذلك بين (الجميع والأشتات ) [ جميعا أو أشتاتا ] لأن المعنى مجتمعين ومتفرقين.
٤ - الإطناب بتكرير لفظ الحرج لترسيخ الحكم في الأذهان [ ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ].
٥ - صيغة المبالغة [ غفور رحيم ].
فائدة :
قال بعض السلف : من أمر السنة على نفسه، قولا وفعلا نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة، لقوله تعالى :[ وإن تطيعوه تهتدوا ].
لطيفة :
قيل لبعضهم : من أحب إليك أخوك أم صديقك ؟ فقال : لا أحب أخي إذا لم يكن صديقي ! وقال ابن عباس :" الصديق أوكد من القريب ألا ترى استغاثة الجهنميين حين قالوا :[ فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ] ولم يستغيثوا بالآباء والأمهات ".


الصفحة التالية
Icon