[ وبرزت الجحيم للغاوين ] أي وأظهرت النار للمجرمين الضالين حتى رأوها بارزة أمامهم، مكشوفة للعيان، فالمؤمنون يرون الجنة فتحصل لهم البهجة والسرور، والغاوون يرون جهنم فتحصل لهم المساءة والأحزان
[ وقيل لهم ] أي قيل للمجرمين على سبيل التقريع والتوبيخ
[ أين ما كنتم تعبدون من دون الله ] أي أين آلهتكم الذين عبدتموهم من الأصنام والأنداد ؟
[ هل ينصرونكم أو ينتصرون ] أي هل ينقذونكم من عذاب الله، أو يستطيعون أن يدفعوه عن أنفسهم ؟ وهذا كله توبيخ
[ فكبكبوا فيها ] أي ألقوا على رءوسهم في جهنم، قال مجاهد : دهوروا في جهنم، وقال الطبري : رمي بعضهم على بعض، وطرح بعضهم على بعض، منكبين على وجوههم
[ هم والغاوون ] أي الأصنام والمشركون، والعابدون والمعبودون، كقوله :[ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ]
[ وجنود إبليس أجمعون ] أي وأتباع إبليس قاطبة من الإنس والجن
[ قالوا وهم فيها يختصمون ] أي قال العابدون لمعبوديهم، وهم في الجحيم يتنازعون ويتخاصمون :
[ تالله إن كنا لفي ضلال مبين ] أي نقسم لكم بالله، لقد كنا في ضلال واضح وبعد عن الحق ظاهر
[ إذ نسويكم برب العالمين ] أي حين عبدناكم مع رب العالمين، وجعلناكم مثله في استحقاق العبادة
[ وما أضلنا إلا المجرمون ] أى وما أضلنا عن الهدى إلا الرؤساء والكبراء الذي زينوا لنا الكفر والمعاصي
[ فما لنا من شافعين ] أي ليس لنا من يشفع لنا من هول هذ اليوم
[ ولا صديق حميم ] أي ولا صديق خالص الود ينقذنا من عذاب الله
[ فلو أن لنا كرة ] أي لو أن لنا رجعة إلى الدنيا
[ فنكون من المؤمنين ] أي فنؤمن بالله ونحسن عملنا ونطيع ربنا
[ إن في ذلك لآية ] أي إن فيما ذكر من نبأ إبراهيم وقومه لعبرة يعتبر بها أولو الأبصار
[ وما كان أكثرهم مؤمنين ] أي وما كان أكثر هؤلاء المشركين، الذين تدعوهم إلى الإسلام بمؤمنين
[ وإن ربك لهو العزيز الرحيم ] أي المنتقم من أعدائه، الرحيم بأوليائه.
البلاغة :
تضمنت الآيات وجوها من البلاغة والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - الإيجاز بالحذف [ فانفلق ] أي فضرب البحر فإنفلق اثني عشر طريقا.
٢ - التشبيه المرسل المجمل [ كالطود العظيم ] أي كالجبل في رسوخه وثباته ذكرت أداة التشبيه وحذف وجه الشبه.
٣ - الطباق بين [ ينفعونكم أو يضرون ] وكذلك بين [ يميتني ثم يحيين ].
٤ - مراعاة الأدب [ وإذا مرضت فهو يشفين ] لم يقل : وإذا أمرضني بل أسند المرض لنفسه، تأدبا مع الله، لأن الشر لا ينسب إليه تعالى أدبا، وإن كان المرض والشفاء كلاهما من الله تعالى.
٥ - الإستعارة اللطيفة [ واجعل لي لسان صدق ] استعار اللسان للذكر الجميل والثناء الحسن، وهو من ألطف الإستعارات.
٦ - المقابلة البديعة [ وبرزت الجحيم للغاوين ] مقابل قوله عن السعداء [ وأزلفت الجنة للمتقين ].
٧ - مراعاة الفواصل في أواخر الآيات مثل [ المتقين، والغاوين، وضلال مبين ] وهو من السجع الحسن، الذي يزيد في جمال البيان.
تنبيه :
(روي أن إبراهيم يلقى أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة وغبرة - أي سواد وظلمة - فيقول له إبراهيم : ألم أقل لك لا تعصني ! فيقول أبوه : فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم يا رب : إنك وعدتني ألا تخزني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد ؟ فيقول الله تعالى : إني حرمت الجنة على الكافرين ثم يقول يا إبراهيم : أنظر تحت رجلك، فينظر فإذا هو بذيخ - ذكر من الضباع - متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار).
قال الله تعالى :[ كذبت قوم نوح المرسلين.. ] إلى قوله [ وإن ربك لهو العزيز الرحيم ]. من آية (١٠٥) إلى نهاية آية (١٩١).
المناسبة :


الصفحة التالية
Icon