[ ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ] أي ثم جاءهم العذاب الذي وعدوا به
[ ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون ] ؟ أي ماذا ينفعهم حينئذ ما مضي من طول أعمارهم، وطيب معاشهم ؟ هل ينفعهم ذلك النعيم في تخفيف الحزن، أو دفع العذاب ؟
[ وما أهلكنا من قرية ] أي وما أهلكنا أهل قرية من القرى، ولا أمة من الأمم
[ إلا لها منذرون ] أي إلا بعدما ألزمناهم الحجة، بإرسال الرسل مبشرين ومنذرين
[ ذكرى ] أى ليكون إهلاكهم تذكرة وعبرة لغيرهم، حتى لا يعصوا مثل عصيانهم
[ وما كنا ظالمين ] أي وما كنا ظالمين في تعذيبهم، لأننا أقمنا الحجة عليهم وأعذرنا إليهم.. ثم إنه تعالى بعد أن نبه على إعجاز القرآن، وصدق نبوة محمد عليه السلام، رد على قول من زعم من الكفار، أن القرآن من إلقاء الجن والشياطين، كسائر ما ينزل على الكهنة فقال سبحانه :
[ وما تنزلت به الشياطين ] أي وما تنزلت بهذا القرآن الشياطين، بل نزل به الروح الأمين
[ وما ينبغي لهم وما يستطيعون ] أي وما يصح ولا يستقيم، أن يتنزل بهذا القرآن الشياطين، ولا يستطيعون ذلك أصلا
[ إنهم عن السمع لمعزولون ] أي لأنهم منعوا من إستراق السمع، منذ بعث محمد عليه السلام، وحيل بينهم وبين السمع بالملائكة والشهب، فكيف يستطيعون أن يتنزلوا به ؟ قال ابن كثير : ذكر تعالى أنه يمتنع ذلك عليهم من ثلاثة أوجه : أحدها : أنه ما ينبغي لهم لأن سجاياهم الفساد، وإضلال العباد، وهذا فيه نور وهدى وبرهان عظيم، الثاني : أنه لو انبغى لهم لما استطاعوا ذلك، وهذا من حفظ الله لكتابه، وتأييده لشرعه، الثالث : أنهم لو أرادوا ذلك لما استطاعوا ذلك، لأنهم بمعزل عن إستماع القرآن، لأن السماء ملئت حرسا شديدا وشهبا، فلم يخلص أحد من الشياطين لاستماع حرف واحد منه، لئلا يشتبه الأمر
[ فلا تدع مع الله إلها آخر ] الخطاب للرسول(ص)، والمراد غيره أي لا تعبد يا محمد مع الله معبودا آخر
[ فتكون من المعذبين ] أي فيعذبك الله بنار جهنم، قال ابن عباس : يحذر به غيره يقول : أنت أكرم الخلق علي، ولو اتخذت من دوني إلها لعذبتك، ثم أمر تعالى رسوله بتبليغ الرسالة فقال سبحانه :
[ وإنذر عشيرتك الأقربين ] أي خوف يا أيها الرسول أقاربك، الأقرب منهم فالأقرب، خوفهم من عذاب الله إن لم يؤمنوا، روى أنه (ص) قام حين نزلت عليه [ وأنذر عشيرتك الأقربين ] فقال :(يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد، سليني ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا ) قال المفسرون : وإنما أمر، بإنذار أقاربه أولا، لئلا يظن أحد به المحاباة واللطف معهم، فإذا تشدد على نفسه وعلى أقاربه، كان قوله أنفع، وكلامه أنجح
[ واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ] أي تواضع وألن جانبك لأتباعك المؤمنين
[ فإن عصوك فقل إني برئ مما تعملون ] أي فإن لم يطيعوك وخالفوا أمرك، فتبرأ منهم ومن أعمالهم، قال أبو حيان : لما كان الإنذار يترتب عليه الطاعة أو العصيان جاء التقسيم عليهما فكان المعنى : من اتبعك مؤمنا فتواضع له، ومن عصاك فتبرأ منهم ومن أعمالهم
[ وتوكل على العزيز الرحيم ] أي فوض جميع أمورك إلى الله العزيز، الذي يقهر أعداءك بعزته، وينصرك عليهم برحمته
[ الذي يراك حين تقوم ] أي يراك حين تكون وحدك، تقوم من فراشك أو مجلسك لأعمالك، وقال ابن عباس : حين تقوم إلى الصلاة
[ وتقلبك في الساجدين ] أي ويرى تقلبك مع المصلين في الركوع والسجود والقيام، والمعنى : يراك وحدك، ويراك مع الجماعة
[ إنه هو السميع العليم ] أي إنه تعالى السميع لما تقوله، العليم بما تخفيه


الصفحة التالية
Icon