[ تلك آيات القرآن ] أي هذه الآيات المنزلة عليك يا أيها الرسول، هي آيات القرآن المعجز في بيانه، الساطع في برهانه
[ وكتاب مبين ] أي وآيات كتاب واضح مبين، لمن تفكر فيه وتدبر، أبان الله فيه الأحكام، وهدى به الأنام
[ هدى وبشرى للمؤمنين ] أي تلك آيات القرآن الهادي للمؤمنين إلى صراط مستقيم، والمبشر لهم بجنات النعيم، خص المؤمنين بالذكر لانتفاعهم به
[ الذين يقيمون الصلاة ] أي يؤدونها على الوجه الأكمل بخشوعها، وآدابها، وأركانها
[ ويؤتون الزكاة ] أي يدفعون زكاة أموالهم طيبة بها نفوسهم
[ وهم بالآخرة هم يوقنون ] أي يصدقون بالآخرة تصديقا جازما لا يخالجه شك أو إرتياب، قال الإمام الفخر : والجملة اعتراضية كأنه قيل : وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات هم الموقنون بالآخرة، فما يوقن بالآخرة حق الإيقان، إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح، لأن خوف العاقبة يحملهم على تحمل المشاق وقال أبو حيان : ولما كان [ يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ] مما يتجدد ولا يستغرق الأزمان جاءت الصلة فعلا، ولما كان الإيمان بالآخرة بما هو ثابت ومستقر جاءت الجملة إسمية وأكدت بتكرار الضمير [ وهم بالآخرة هم يوقنون ] وجاء خبر المبتدأ فعلا ليدل على الديمومة.. ولما ذكر تعالى المؤمنين الموقنين بالبعث، ذكر بعدها المنكرين المكذبين بالآخرة فقال سبحانه :
[ إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ] أي لا يصدقون بالبعث
[ زينا لهم أعمالهم ] أي زينا لهم أعمالهم القبيحة، حتى رأوها حسنة، قال الرازى : والمراد من التزيين هو أن يخلق في قلبه العلم بما فيها من المنافع واللذات، ولا يخلق في قلبه العلم بما فيها من المضار والآفات
[ فهم يعمهون ] أي فهم في ضلال أعمالهم القبيحة يترددون حيارى لا يميزون بين الحسن والقبيح
[ أولئك الذين لهم سوء العذاب ] أي لهم أشد العذاب في الدنيا بالقتل والأسر والتشريد
[ وهم في الآخرة هم الأخسرون ] أي وخسارتهم فى الآخرة أشد من خسارتهم في الدنيا، لمصيرهم إلى النار المؤبدة والجحيم والأغلال
[ وإنك لتلقى القرآن ] أي وإنك يا محمد لتتلقى هذا القرآن العظيم وتعطاه
[ من لدن حكيم عليم ] أي من عند الله عز وجل الحكيم بتدبير خلقه، العليم بما فيه صلاحهم وسعادتهم، قال الزمخشري : وهذه الآية بسط وتمهيد لما يريد أن يسوق بعدها من الأقاصيص، وما في ذلك من لطائف حكمته، ودقائق علمه
[ إذ قال موسي لأهله إني ءانست نارا ] أى اذكر يا محمد حين قال موسى لأهله - أي زوجته - إني أبصرت ورأيت نارا، وهذا عندما سار من مدين إلى مصر، وكان في ليلة مظلمة باردة، وقد ضل عن الطريق وأخذ زوجته الطلق
[ سآتيكم منها بخبر ] أي سآتيكم بخبر عن الطريق إذا وصلت إليها
[ أو ءاتيكم بشهاب قبس ] أي أو آتيكم بشعلة مقتبسة من النار
[ لعلكم تصطلون ] أي لكي تستدفئوا بها
[ فلما جاءها ] أي فلما وصل إلى مكان النار، رأى منظرا هائلا عظيما، حيث رأى النار تضطرم في شجرة خضراء، لا تزداد النار إلا توقدا، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة ونضرة، ثم رفع رأسه فإذا نورها متصل بعنان السماء، قال ابن عباس : لم تكن نارا وإنما كانت نورا يتوهج فوقف موسى متعجبا مما رأى، وجاءه النداء العلوي
[ نودى أن بورك من في النار ومن حولها ] أي نودي من جانب الطور بأن بوركت يا موسى وبورك من حولك وهم الملائكة، قال ابن عباس : معنى [ بورك ] تقدس [ ومن حولها ] الملائكة، قال أبو حيان : وبدؤه بالنداء تبشير لموسى وتأنيس له ومقدمة لمناجاته، وجدير أن يبارك من في النار ومن حواليها، إذ قد حدث أمر عظيم، وهو تكليم الله لموسى وتنبيئه