[ هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ] أي يقال لهم توبيخا : هل تجزون إلا جزاء ما كنتم تعملون في الدنيا، من سيئ الأعمال ؟
[ إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها ] أي قل لهم يا أيها الرسول : لقد أمرت أن أخص الله وحده بالعبادة، وأن أعبد رب هذا البلد الأمين، الذي جعل مكة - شرفها الله - حرما آمنا لا يسفك فيها دم، ولا يظلم فيها أحد، ولا يصاد صيدها، ولا يختلى خلاها (( لا يختلى خلاها : أي لا يقطع حشيشها الرطب )) كما جاء في الحديث الصحيح
[ وله كل شيء ] أي هو تعالى الخالق والمالك لكل شىء، فهو رب كل شيء ومليكه
[ وأمرت أن أكون من المسلمين ] أي وأمرت أن أكون من المخلصين لله بالتوحيد، المنقادين لأمره، المستسلمين لحكمه
[ وأن أتلوا القرآن ] أي وأمرت أيضا بتلاوة القرآن، لتنكشف لي حقائقه الرائعة، وأن أقرأه على الناس
[ فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ] أي فمن اهتدى بالقرآن، واستنار قلبه بالإيمان، فإن ثمرة هدايته راجعة إليه
[ ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين ] أي ومن ضل عن طريق الهدى، فوبال ضلاله مختص به، إذ ما على الرسول إلا البلاغ، وقد بلغتكم رسالة الله
[ وقل الحمد لله ] أي قل يا محمد : الحمد لله على ما خصنى به من شرف النبوة والرسالة، وما أكرمني من رفيع المنزلة والمقام
[ سيريكم آياته فتعرفونها ] تهديد ووعيد أي سيريكم آياته الباهرة الدالة على عظيم قدرته وسلطانه في الأنفس والآفاق فتعرفونها حين لا تنفعكم المعرفة
[ وما ربك بغافل عما تعملون ] أي وما ربك بغافل عن أعمال العباد بل هو على كل شيء شهيد، وفيه وعد ووعيد.
البلاغه :
تضمنت الآيات وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - الاستفهام الإنكاري [ أئذا كنا ترابا أئنا لمخرجون ] وتكرير الهمزة [ أئنا ] للمبالغة في التعجب والإنكار.
٢ - الوعيد والتهديد [ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ].
٣ - التأكيد بإن واللام [ وإن ربك لذو فضل ] [ وإن ربك ليعلم ] [ وإنه لهدى ].
٤ - الطباق [ ما تكن صدورهم وما يعلنون ] لأن معنى [ تكن ] تخفي.
٥ - الاستعارة البديعة [ إن هذا القرآن يقص ] لأن القصص لا يوصف به إلا الناطق المميز، ولكن القرآن لما تضمن نبأ الأولين، كان كالشخص الذي يقص على الناس الأخبار ففيه استعارة تبعية حيث استعار لفظ " يقص " للخبر.
٦ - المبالغة [ العزيز العليم ] لأن صبغة فعيل من صيغ المبالغة.
٧ - الاستعارة التمثيلية [ إنك لا تسمع الموتى ] التعبير بالموتى، والصم، والعمي، جاء كله بطريق (الاستعارة) وهو تمثيل لأحوال الكفار في عدم انتفاعهم بالإيمان، بأنهم كالموتى والصم والعمى.
٨ - أسلوب التوبيخ والتأنيب [ أمإذا كنتم تعملون ] ؟.
٩ -الطباق [ من جاء بالحسنة.. ومن جاء بالسيئة ].
١٠ - التشبيه البليغ [ وهي تمر مر السحاب ] أي تمر كمر السحاب في السرعة، حذفت الأداة ووجه الشبه، فأصبح تشبيها بليغا مثل محمد قمر.
١١ - الإحتباك [ ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا ] حذف من أوله ما أثبت في آخره وبالعكس، أصله : جعلنا الليل مظلما لتسكنوا فيه، والنهار مبصرا لتتصرفوا فيه فحذف " مظلما " لدلالة " مبصرا " عليه، وحذف " لتتصرفوا فيه " لدلالة [ ليسكنوا فيه ] وهذا النوع يسمى الإحتباك، وهو من المحسنات البديعية.


الصفحة التالية
Icon