[ وشروه بثمن بخس دراهمَ معدودة ] هذه هي (المحنة الثانية) في حياة يوسف الصديق وهي (محنة الاسترقاق ) أي باعه أولئك المارة الذين استخرجوه من البئر، بثمن قليل منقوص، هو عشرون درهما كما قال ابن عباس
[ وكانوا فيه من الزاهدين ] أي وكانوا في يوسف من الزاهدين، الذين لا يرغبون فيه، لأنهم التقطوه وخافوا أن يكون عبدا آبقا فينتزعه سيده من أيديهم، ولذلك باعوه بأبخس الأثمان
[ وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه ] أي وقال الذي اشتراه من مدينة مصر لزوجته أكرمي إقامته عندنا، قال ابن عباس : كان اسم الذي اشتراه " قطفير " وهو العزيز الذي كان على خزائن مصر
[ عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ] أي عسى أن يكفينا بعض المهمات إذا بلغ، أو نَتَبناه، حيث لم يكن يولد لهما ولد
[ وكذلك مكَّنا ليوسف في الأرض ] أي وكما نجيناه من الجب، جعلناه متمكنا في أرض مصر يعيش فيها بعز وأمان
[ ولنعلمه من تأويل الأحاديث ] أي نوفقه لتعبير بعض ا لأحلام، أعني المنامات
[ والله غالب على أمره ] أي لا يعجزه تعالى شيء
[ ولكن أكثرَ الناس لا يعلمون ] أي لا يعلمون لطائف صنعه وخفايا فضله
[ ولما بلغ أشده ] أي بلغ منتهى شدته وقوته وهو ثلاثون سنة
[ آتيناه حُكما وعلما ] أي أعطيناه حكمة وفقهاَ في الدين
[ وكذلك نجزي المحسنين ] أي المحسنين في أعمالهم، فنجازيهم عليها أفضل الجزاء.
البلاغة :
١ - [ تلك آيات ] الاشارة بالبعيد لبعد مرتبته في الكمال وعلو شأنه.
٢ - [ كما أتمها على أبويك ] فيه تشبيه مرسل مجمل لوجود أداة التشبيه.
٣ - [ أحد عشر كوكبا والشمسَ والقمر ] هذه (إستعارة) لأن الكواكب والشمس والقمر مما لا يعقل ولكنها لما أطلق عليها فعل من يعقل، جاز أن توصف بصفة من يعقل لأن السجود من فعل العقلاء.
٤ - [ بدم كذب ] الدم لا يوصف بالكذب، والمراد بدم مكذوب فيه، أو دم ذي كذب، وجيء بالمصدر على طريق المبالغة..
لطيفة :
روى أن إمرأةً تحاكمت الى شريح فبكت فقال الشعبي : يا أبا أمية أما تراها تبكي ؟ فقال شريح : لقد جاء إخوة يوسف يبكون، وهم ظلمة كذبة، لا ينبغي للإنسان أن يقضي إلا بالحق.
تنبيه :
ذهب بعض المفسرين إلى أن إخوة يوسف أنبياء، واستدلوا على ذلك بأنهم الأسباط المذكورون في قوله تعالى [ قل أمنا باللهِ وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيلَ وإسحاقَ ويعقوب والأسباط ] والصحيح أن الاسباط ليسوا أولاد " يعقوب " وإنما هم القبائل من ذرية يعقوب كما نبه عليه المحققون، ولو كان إخوة يوسف أنبياء لما أقدموا على مثل هذه الأفعال الشنيعة، فالحسد، والسعي بالفساد، والإقدام على القتل، والكذب، وإلقاء يوسف في الجب، كل ذلك من الكبائر التي تنافي عصمة الأنبياء، فالقول بأنهم أنبياء - مع هذه الجرائم - لا يقبله عقل حصيف، وانظر ما قاله العلامة إبن كثير رحمه الله في هذا الشأن، فإِنه لطيف ودقيق.
قال تعالى :[ وراودته التي هو في بيتها.. ] إلى قوله [ فلبث في السجن بضع سنين ] من آية (٢٣) إلى نهاية آية ( ٤٢ ).
المناسبة :
لما ذكر تعالى ما أكرم به يوسف من الإقامة في القصر مع عزيز مصر، ذكر هنا ما تعرض له عليه السلام من أنواع الفتنة والإغراء، من زوجة العزيز، وصموده أمام تلك الفتنة العارمة، وما ظهر منه من العفة والنزاهة، حتى آثر دخول السجن على عمل الفاحشة، وكفى بذلك برهاناَ على عفته وطهارته.
اللغة :
[ وراودته ] المراودة : الطلب برفق ولين، مأخوذة من راد يرود إذا جاء وذهب ومنه الرائد لطلب الكلأ، يقال في الرجل : راودها عن نفسها، وفي المرأة راودته عن نفسه أى طلبت منه مضاجعتها
[ هيتَ ] إسم فعل أمر بمعني تعالَ وهلم
[ مثواي ] مقامي، والثواء الإقامة مع الاستقرار


الصفحة التالية
Icon