[ يا صاحِبَي السجنِ أما أحدكما فيسقي ربه خمراً وأما الآخرفيصلب فتأكل الطير من رأسه ] أي يا صاحبي في السجن أما الذي رأى أنه يعصر خمراً فيخرج من السجن ويعود إلى ما كان عليه من سقي سيده الخمر، وأما الآخر الذي رأى على رأسه الخبز فيُقتل ويعلق على خشبة فتأكل الطير من لحم رأسه، قال المفسرون : روي أنه لما أخبرهما بذلك جحدا وقالا : ما رأينا شيئأ فقال
[ قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان ] أي إنتهى وتم قضاء الله صدقتما أو كذبتما فهو واقع لا محالة
[ وقال للذي ظن أنه ناج منهما ] أي قال يوسف للذي إعتقد نجاته وهو الساقي
[ اذكرني عند ربك ] أي اذكرني عند سيدك وأخبره عن أمري لعله يُخلصني مما ظُلمتُ به
[ فأنساه الشيطان ذكر ربه ] أي أنسى الشيطان الساقي أن يذكر أمر يوسف للملك
[ فلبث في السجن بضع سنين ] أي مكث يوسف في السجن سبع سنين، قال المفسرون : وإنما لبث في السجن بضع سنين، لأنه إعتمد ووثق بالمخلوق، وغفل أن يرفع حاجته إلى الخالق جل وعلا، قال القرطبي : قال وهب ابن منبه : أقام أيوب في البلاء سبع سنين، وأقام يوسف في السجن سبع سنين.
البلاغة :
١ - بين [ صدقت ] و[ كذبت ] و[ الصادقين ] و[ الكاذبين ] طباق وهو من المحسنات البديعية.
٢ - [ من الخاطئين ] من باب تغليب الذكور على الإناث.
٣- [ سمعت بمكرهن ] استعير المكر للغيبة لشبهها له في الإخفاء.
٤ - [ وقطعن أيديهن ] كذلك فيه (استعارة) حيث استعار لفظ القطع عن الجرح أي جرحن أيديهن.
٥ - [ أعصر خمرا ] مجاز مرسل باعتبار ما يكون أي عنباً يئول إلى خمر.
فائدة :
روي أن جبريل جاء إلى (يوسف ) وهو في السجن معاتباً له فقال له : يا يوسف من خلصك من القتل من أيدي إخوتك ؟ قال : الله تعالى، قال : فمن أخرجك من الجب ؟ قال : الله تعالى، قال : فمن عصمك من الفاحشة ؟ قال : الله تعالى، قال : فمن صرف عنك كيد النساء ؟ قال : الله تعالى، قال : فكيف تركت ربك فلم تسأله ووثقت بمخلوق ! ؟ قال : يا رب كلمة زلت مني أسألك يا إله إبراهيم وآله والشيخ يعقوب عليهم السلام أن ترحمنى فقال له جبريل : فإن عقوبتك أن تلبث في السجن بضع سنين.
تنبيه :
قال العلماء في قوله تعالى [ واستبقا الباب ] هذا من اختصار القرآن المعجز، الذي يجمع المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة، وذلك أنها لما راودته عن نفسه وأبى، عزمت على أن تجبره بالقسر والإِكراه، فهرب منها فتسابقا نحو الباب، هي لترده إلى نفسها وهو يهرب منها فاختصر القرآن ذلك كله بتلك العبارة البليغة [ واستبقا الباب ].
(شطحات البعض في تفسير الهم) لقد شط القلم، وزَلَقَتِ القدم ببعض المفسرين حين زعموا أن يوسف عليه السلام قد هم بمقارفة الفاحشة، وشُحنت بعضُ كتب التفسير بكثير من الروايات الإِسرائيلية الواهية، بل المنكرة الباطلة في تفسير (الهم ) و(البرهان ) حتى زعم بعضهم أن يوسف حل رباط السروال، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته، ثم رأى صورة أبيه " يعقوب " عاضاً على أصبعه، فقام عنها وتركها خجلا من أبيه إلى غير ما هنالك من أقوال واهية، لا زمام لها ولا خطام. ولستُ أدري كيف دخلت تلك الروايات المنكرة إلى بعض كتب التفسير، وتقبلها بعضهم بقبول حسن، وكله - كما يقول العلامة أبو السعود - خرافات وأباطيل، تمجها الآذان، وتردها العقول والأذهان ! ؟ ثم كيف غاب عن أولئك المفسرين أن " يوسف الصديق " نبي كريم، ابن نبي كريم، وأن العصمة من صفات الأنبياء ! ! يا قوم اعقلوا وفكروا، ونزهوا هذه الكتب عن أمثال هذه الترهات والأباطيل، فإن الزنى جريمة من أبشع الجرائم، فكيف يرتكبها نبي من الأنبياء المكرمين ؟ وهاكم الأدلة أسوقها من كتاب الله فقط على عصمته عليه السلام من عشرة وجوه :