[ ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ] أي يأتيه الموت بأسبابه المحيطة به من كل مكان، ولكنه لا يموت ليستكمل عذابه
[ ومن ورائه عذاب غليظ ] أي ومن بين يديه عذاب أشد مما قبله وأغلظ.
البلاغة :
تضمنت الآيات الكريمة أنواعا من البلاغة والبيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - الاستعارة في [ لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ] حيث استعار الظلمات للكفر والضلال، والنور للهدى والإيمان، وكذلك [ ويأتيه الموت ] استعارة عن غواشي الكروب وشدائد الأمور، فقد يوصف المغموم بأنه في غمرات الموت، مبالغة قي عظيم ما يغشاه، وأليم ما يلقاه.
٢ - الطباق بين [ يضل ويهدي ] وبين [ شكرتم وكفرتم ] وبين [ نخرجنً وتعودن ].
٣ - صيغة المبالغة [ صبار شكور ] وفي [ جبار عنيد ].
٤ - جناس الاشتقاق في [ أرسلنا من رسول ] وفي [ فليتوكل المتوكلون ].
٥ - السجع في [ شديد، بعيد، عنيد ] آلخ.
فائدة :
ذكرتعالى في البقرة [ يذبحون ] بغير واو، وهنا قال [ ويذبحون ] بالواو، والسر في ذلك أنه في سورة البقرة، جاء اللفظ تفسيرا لما سبق من قوله [ سوء العذاب ] فكأنه قال يسومونكم سوء العذاب ثم فسره بقوله :[ يذبحون أبناءكم ] أما في هذه السورة فهو شيء آخر غير تفسير، لأن آلمعنى أنهم يعذبونهم بأنواع من العذاب وبالتذبيح أيضا، فهو نوع آخر من العذاب غير الأول، والله أعلم.
قال الله تعالى :[ مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد ] إلى قوله [ إن الإنسان لظلوم كفار ]. من آية (١٨ ) الى نهاية آية (٣٤).
المناسبة :
لما حكى تعالى استهزاء الكفار بالرسل، وما أعد لهم من العذاب والنكال في الآخرة، ضرب مثلا لأعمالهم، ثم ذكر المناظرة بين الرؤساء والأتباع، وعقبها بالتذكير بنعم الله على العباد، ليعبدوه ويشكروه.
اللغة :
[ عاصف ] شديد الريح
[ برزوا ] البروز : الظهور بعد الخفاء، والبَراز المكان الواسع لظهوره، وامرأة برزة أي تظهر للناس
[ محيص ] منجى ومهرب يقال : حاصَ عن كذا أي فر وأراد الهرب منه
[ جزعنا ] الجزع : عدم احتمال الشدة، وهو نقيض الصبر
[ مصرخكم ] مُغيثكم الصارخ المستغيث، والمصرخ المغيث، قال أمية : فلا تجزعوا إني لكم غيرُ مُصرخ وليس لكم عندي غناء ولا نصر
[ اجتثت ] اقتلعت من أصلها
[ البوار ] الهلاك
[ خِلال ] جمع خُلة وهي الصحبة والصداقة، قال امرؤ القيس : صرفتُ الهَوى عنهن من خشيةِ الردى فلستُ بمقلى الخِلال ولا قالي
[ دائبين ] الؤوب في اللغة : مرورُ الشيء في العمل على عادة مطردة يقال دأب دؤوبا إذا استمر في عمله، أو استمر على سيرته.
التفسير :
[ مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح ] أي مثلُ أعمالِ الكفار التي عملوها في الدنيا، يبتغون بها الأجر، من صدقتن وصلة رحم وغيرها، مثلُ رمادِ عصفت به الريح، فجعلته هباء منثورا
[ في يوم عاصف ] أي في يوم شديد هبوب الريح، قال القرطبي : ضرب الله هذه الآية مثلا لأعمال الكفار في أنه يمحقها، كما تمحق الريح الشديدة الرماد، في يوم عاصف، لأنهم أشركوا فيها غير الله
[ لا يقدرون مما كسبوا على شيء ] أي لا يقدر الكفار على تحصيل ثواب ما عملوا، من البر في الدنيا لإحباطه بالكفر، كما لا يستطيع ان يحصل الإنسان على شيء من الرماد، الذي طيرته الريح
[ ذلك هو الضلال البعيد ] أي الخسران الكبير
[ ألم تر أن الله خلق السموات والأرض بالحق ] أي ألم تر أيها المخاطب بعين قلبك، وتتأمل ببصيرتك، أن الله العظيم الجليل، انفرد بالخلق والإيجاد، وأنه خلق السموات والأرض، ليُستدل بهما على قدرته ؟ قال المفسرون : أي لم يخلقهن عبثا وإنما خلقهن لأمرعظيم


الصفحة التالية
Icon