[ ولقد فتنا سليمان وألقينا عل كرسيه جسدا ثم أناب ] هذه إشارة إلى ابتلاء آخر لسليمان ابتلي به، ثم تاب وأناب من تلك الهفوة والزلة، ولعل هذه الفتنة ما روي في الصحيح عن أبي هريرة أن النبي(ص)، قال :( قال سليمان : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله - ولم يقل : إن شاء الله -فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، والذي نفسي بيده : لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون )قال ابن كثير :" وقد أورد بعض المفسرين آثارا كثيرة عن جماعة من السلف، وأكثرها أوكلها متلقاة من الإسرائيليات، وفي كثير منها نكارة شديدة (( اشار ابن كثير إلى ما ذكره بعض المغرمين بالروايات الضعيفة، والحكايات الإسرائيلية المصطنعة، حول فتنة سليمان التي أشار إليها القرآن الكريم هذه الاشارة الخاطفة ﴿ولتد فتنا سليمان ﴾ ومن أغربها وأنكرها ما رواه ابن أبى حاتم أن سليمان عليه السلام أراد أن يدخل الخلاء، فأعطى الجرادة - زوجته - خاتمه، وكانت أحب نسائه إليه فجاءها الشيطان في صورة سليمان فقال لها : هاتي خاتمي فظنته سليمان فأعطته إياه، فلما لبسه دانت له الإنس والجن والشياطين.. إلخ وكل هذه الروايات خرافات وأباطيل ردها المحققون من العلماء كابن كثير، والفخر الرازي والبيضاوي والنسفي وغيرهم )). واختار الإمام الفخر أن الفتنة المذكورة في الآية الكريمة يقصد بها فتنته في جسده، حيث إن سليمان ابتلي بمرض شديد نحل منه وضعف، حتى صار لشدة المرض كأنه جسد ملقى على كرسي، قال : والعرب تقول في الضيف : إنه لحم على وضم، وجسم بلا روح، ثم أناب أي رجع إلى حالة الصحة
[ قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ] أي اغفر لي ما صدر مني، وأعطني ملكا واسعا لا يكون لأحد غيري، ليكون دلالة على نبوتي
[ إنك أنت الوهاب ] أي واسع الفضل كثير العطاء
[ فسخرنا له الريح ] أي فذللنا الريح لطاعته إجابة لدعوته
[ تجري بأمره رخاء حيث أصاب ] أي تسير بأمره لينة طيبة حيث قصد واراد
[ والشياطين كل بناء وغواص ] أي وسخرنا له الشياطين كذلك تعمل بأمره، منهم من يستخدمه لبناء الأبنية الهائلة العجيبة، ومنهم من يغوص في البحار لاستخراج اللؤلؤ والمرجان
[ وآخرين مقرنين في الأصفاد ] أي وآخرين من الشياطين - وهم المردة - موثوقون في الأغلال، مربوطون بالقيود والسلاسل، لكفرهم وتمردهم عن طاعة سليمان
[ هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ] أي وقلنا له : هذا عطاؤنا الواسع لك، فأعط من شئت وامنع من شئت، ولا حساب عليك في ذلك، لأنك مطلق اليد فيما وهب الله لك من سلطة ومن نعمة
[ وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ] أي وإن له عندنا لمكانة رفيعة في الدنيا، وحسن مرجع في الآخرة
[ واذكر عبدنا أيوب ] هذه هي القصة الثالثة في هذه السورة، والإضافة للتشريف أى اذكر يا محمد عبدنا الصالح " أيوب " عليه السلام، الذي ابتلي بأنواع البلاء فصبر.
[ إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب ] أي حين نادى ربه متضرعا إليه قائلا : إني مسني الشيطان بتعب ومشقة، وألم شديد في بدني، قال المفسرون : وإنما نسب ذلك إلى الشيطان تأدبا مع الله تعالى، وإن كانت الأشياء كلها خيرها وشرها من الله تعالى، وكان أيوب قد أصيب في ماله وأهله وبدنه، وبقي في البلاء ثمان عشرة سنة، وقد تقدمت قصته
[ اركض برجلك ] أي وقلنا له اضرب برجلك الأرض فضربها فنبعت له عين ماء صافية


الصفحة التالية
Icon