[ قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ] أي أخرني وأمهلني إلى اليوم الذي تبعث فيه الخلائق من القبور، قال أبو السعود : أراد بذلك أن يجد فسحة لإغوائهم، ويأخذ منهم ثأره، وينجو من الموت بالكلية، إذ لا موت بعد البعث، فأجابه الله بأنه مؤخر إلى وقت النفخة الأولى، لا إلى وقت البعث الذي طلبه
[ قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ] أي إنك من الممهلين إلى وقت النفخة الأولى، حيث يموت الناس وتنتهى مهمتك
[ قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ] أي قال اللعين : أقسم بعزتك لأضلن بني آدم أجمعين، إلا الذين أخلصتهم لعبادتك وعصتهم مني
[ قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ] أي قال تعالى : أقسم بالحق، ولا أقول إلا الحق، لأملأن جهنم منك ومن أتباعك، قال السدي : هو قسم أقسم الله به، وجملة " والحق أقول " إعتراضية لتأكيد القسم
[ قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ] أي قل لهم يا محمد : لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجرا، ولست من الذين يتصنعون ويتحيلون، حتى انتحل النبوة وأتقول القرآن
[ إن هو الا ذكر للعالمين ] أي ما هذا القرآن إلا عظة وذكرى للإنس والجن والعقلاء
[ ولتعلمن نبأه بعد حين ] أي ولتعلمن خبره وصدقه عن قريب، وهذا وعيد وتهديد، قال الحسن البصري : يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين ! !.
البلاغة :
تضمنت الآيات الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - المقابلة بين المؤمنين والمفسدين، وبين المتقين والفجار [ أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض، أم نجعل المتقين كالفجار ] وهذه من ألطف أنواع البديع.
٢ - الكناية [ فطفق مسحا بالسوق والأعناق ] كنى عن العقر والذبح بالمسح وهي كناية بليغة.
٣ - الطباق بين [ فامنن أو أمسك ] لأنها بمعنى أعط من شئت، وامنع من شئت.
٤ - مراعاة الأدب [ إني مسني الشيطان ] أسند الضرر إلى الشيطان أدبا، والخير والشر بيد الله تعالى، ولكن لا يضاف الشر إليه أدبا.
٥ - الإستعارة التصريحية [ أولي الأيدي والأبصار ] استعار الأيدي للقوة في العبادة، والأبصار للبصيرة في الدين.
٦ - المقابلة الرائعة [ هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب جنات عدن مفتحة لهم الأبواب ] ثم قابل ذلك بقوله :[ هذا وإن للطاغين لشر مآب جهنم يصلونها فبئس المهاد ] وياله من تصوير رائع !.
٧ - التأكيد بمؤكدين [ فسجد الملائكة كلهم أجمعون ] فقد أكده أولا بلفظ كل ثم بلفظ أجمعون.
٨ - مراعاة الفواصل وهي من خصائص القرآن [ وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخدناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ] فمثل هذا البيان الرائع والجرس العذب، يسري في النفس سريان الروح في الجسد، وأقسم بالله أنني أشعر بهزة في نفسى كلما قرأت القرآن، لما له من وقع عذب على السمع، وما ذلك إلا لروعة البيان في هذا القرآن، وصدق رسول الله حين قال :" إن من البيان لسحرا ".


الصفحة التالية
Icon