[ يسبحون بحمد ربهم ] أي يسبحون الله ويمجدونه، تلذذا دون جهل! ولا عناء
[ وقضي بينهم بالحق ] أي وقضى بين العباد بالعدل
[ وقيل الحمد لله رب العالمين ] أي وقيل الحمد لله على عدله وقضائه، قال المفسرون : القائل هم المؤمنون والكافرون، المؤمنون يحمدون الله على فضله، والكافرون يحمدونه على عدله، وقال ابن كثير : نطق الكون أجمعه، ناطقه وبهيمه، لله رب العالمين بالحمد في حكمه وعدله، ولهذا لم يسند القول إلى قائل، بل أطلقه، فدل على أن جميع المخلوقات شهدت له بالحمد.
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - ا لطباق بين [ تكفروا.. وتشكروا ] وبين [ يرجو.. ويحذر ] وبين [ فوقهم.. وتحتهم ] وبين [ ضر.. ورحمة ] وبين [ الغيب.. والشهادة ] وبين [ يبسط.. ويقدر ] وبين [ إهتدى.. وضل ] إلخ.
٢ - جناس الاشتقاق [ يتوكل المتوكلون ] وكذلك في قوله :[ أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ].
٣ - الأسلوب التهكمي [ لهم من فوقهم ظلل من النار ] إطلاق الظلة عليها تهكم لأنها محرقة، والظلة تقي من الحر.
٤ - المقابلة الرائعة [ وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة.. ] الآية فقد قابل بين الله والأصنام، وبين السرور والاشمئزاز، وكذلك توجد مقابلة بين آيتي السعداء والأشقياء [ وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا ] وقابل ذلك بقوله :[ وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا.. ] والمقابلة أن يؤتى بمعنيين أو أكثر، ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب وهو من المحسنات البديعية.
٥ - الإيجاز بالحذف لدلالة السياق عليه [ أفمن شرح الله صدره للإسلام ] ؟ حذف خبره وتقديره كمن طبع الله على قلبه ؟ ومثله [ أفمن هو قانت آناء الليل ] ؟ أي كمن هو كافر جاحد لربه ؟.
٦ - الأمر الذي يراد منه التهديد [ قل تمتع بكفرك ] ومثله [ اعملوا على مكانتكم ] للمبالغة في الوعيد.
٧ - المجاز المرسل [ أفأنت تنقذ من في النار ] ؟ أطلق المسبب وأراد السبب، لأن الضلال سبب لدخول النار.
٨ - الاستعارة اللطيفة [ له مقاليد السموات والأرض ] أي مفاتيح خيراتهما، ومعادن بركاتهما، فشبه الخيرات والبركات بخزائن واستعار لها لفظ المقاليد، بمعنى المفاتيح، ومعنى الآية : خزائن رحمته وفضله بيده تعالي.
٩ - الاستعارة التمثيلية [ والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ] مثل لعظمته وكمال قدرته، وحقارة الأجرام العظام التي تتحير فيها الأوهام، بالنسبة لقدرته تعالي بمن قبض شيئا عظيما بكفه، وطوى السموات بيمينه بطريق (الاستعارة التمثيلية). والأظهر أن الآية على ظاهرها، كما جاء في الحديث الصحيح :(يقبض الله تعالى الأرض ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول : أنا الملك، أنا الملك، أين ملوك الأرض ٠٠ ) أخرجه البخاري.
١٠ - الكناية [ أن تقول نفس يا حسرتا علي ما فرطت في جنب الله ] جنب الله كناية عن حق الله وطاعته، وهذا من لطيف الكنايات، أي يا حسرتا على ما فرطت في حق الله تعالى، وما قصرت في واجب طاعته وعبادته.
١١ - الالتفات من التكلم إلي الغيبة [ لا تقنطوا من رحمة الله ] والأصل : لا تقنطوا من رحمتي، قال علماء البيان : وفي الآية الكريمة [ قل يا عبادى الذين أسرفوا علي أنفسهم.. ] الآية من أنواع المعاني والبيان أمور حسان : منها الالتفات من المتكلم إلي الغيبة [ من رحمة الله ] ومنها إضافة الرحمة للفظ الجلالة الجامع لجميع الأسماء والصفات، ومنها الإتيان بالجملة المعرفة الطرفين المؤكدة بإن وضمير الفصل [ إنه هو الغفور الرحيم ]. ١


الصفحة التالية
Icon