[ شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون ] أي نطقت جوارحهم وشهدت عليهم بما اقترفوه من إجرام وآثام، وفي الحديث (فيختم على فيه - أي فمه - ثم يقال لجوارحه انطقي، فتنطق بأعماله، ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول : بعدا لكن وسحقا، فعنكن كنت أناضل
[ وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ] أي وقالوا لأعضائهم وجلودهم توبيخا وتعجبا من هذا الأمر الغريب : لم أقررتم علينا وشهدتم بما فعلنا ؟ وإنما كنا نجادل وندافع عنكم ؟
[ قالوا أنطقنا الله الذى أنطق كل شيء ] أي قالوا معتذرين : ليس الأمر بيدنا، وإنما أنطقنا الله بقدرته، الذي ينطق الجماد والإنسان والحيوان، فشهدنا عليكم بما عملتم من القبائح
[ وهو خلقكم أول مرة ] أي هو أوجدكم من العدم، واحياكم بعد أن لم تكونوا شيئا، فمن قدر على هذا قدر على إنطاقنا
[ وإليه ترجعون ] أي وإليه وحده تردون بالبعث للحساب والجزاء، قال أبو السعود : المعنى ليس نطقنا بعجب من قدرة الله، الذي أنطق كل حي، فإن من قدر على خلقكم وإنشائكم أولا، وعلى إعادتكم ورجعكم إلى جزائه ثانيا، لا يتعجب من إنطاقه لجوارحكم
[ وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ] أي وما كنتم تستخفون من هؤلاء الشهود في الدنيا، حين مباشرتكم الفواحش، لأنكم لم تظنوا أنها تشهد عليكم قال البيضاوي : أي كنتم تستترون عن الناس، عند إرتكاب الفواحش مخافة الفضيحة، وما ظننتم أن أعضاءكم تشهد عليكم ؟ فما استخفيتم منها! ! وفيه تنبيه على أن المؤمن ينبغي ألا يمر عليه حال إلا وعليه رقيب
[ ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون ] أي ولكن ظننتم أن الله تعالى لا يعلم كثيرا من القبائح المخفية، ولذلك اجترأتم على المعاصي والآثام
[ وذلكم ظنكم الذى ظننتم بربكم أرداكم ] أي وذلكم الظن القبيح برب العالمين - أنه لا يعلم كثيرا من الخفايا - هو الذي أوقعكم في الهلاك والدمار، فأوردكم النار
[ فأصبحتم من الخاسرين ] أي فخسرتم سعادتكم وأنفسكم وأهليكم، وهذا تمام الخسران والشقاء
[ فإن يصبروا فالنار مثوى لهم ] أي فإن يصبروا على العذاب، فالنار مقامهم ومنزلهم، لا محيد ولا محيص لهم عنها
[ وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين ] أي وإن يطلبوا إرضاء الله، فما هم من المرضى عليهم، قال القرطبى : والعتبى : رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب، تقول : استعتبته فأعتبني أي استرضيته فأرضانى
[ وقيضنا لهم قرناء ] أي هيأنا للمشركين، ويسرنا لهم قرناء سوء من الشياطين، ومن غواة الإنس
[ فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم ] أي حسنوا لهم أعمالهم القبيحة، الحاضرة والمستقبلة قال ابن كثير : حسنوا لهم أعمالهم فلم يروا أنفسهم إلا محسنين
[ وحق عليهم القول ] أي ثبت وتحقق عليهم كلمة العذاب، وهو القضاء المحتم بشقائهم
[ في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس ] أي في جملة أمم من الأشقياء المجرمين، قد مضت من قبلهم، ممن فعلوا كفعلهم من الجن والإنس
[ إنهم كانوا خاسرين ] تعليل لإستحقاقهم العذاب أي لأنهم كانوا من الخاسرين لسعادتهم وآخرتهم، فلذلك إستحقوا العذاب الأبدي
[ وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن ] لما أخبر تعالى عن كفر (عاد وثمود) وغيرهم، أخبر عن مشركي قريش، وأنهم كذبوا القرآن، والمعنى : قال الكافرون بعضهم لبعض : لا تستمعوا لمحمد إذا قرأ القرآن، وتشاغلوا عنه
[ والغوا فيه لعلكم تغلبون ] أي إرفعوا أصواتكم عند قراءته، حتى لا يسمعه أحد، لكي تغلبوه على دينه قال ابن عباس : قال ابو جهل إذا قرأ محمد فصيحوا في وجهه حتى لا يدري ما يقول