[ ومن كفر فإن الله غنى حميد ] أى ومن جحد نعمة الله، فإنما أساء إلى نفسه، لأن الله مستغنى عن العباد، محمود على كل حال، مستحق للحمد لذاته وصفاته، قال الرازي : المعنى : أن الله غير محتاج إلى شكر، حتى يتضرر بكفر الكافر، فهو في نفسه محمود، سواء شكره الناس أم لم يشكروه.. ثم ذكر تعالى بعض نصائح لقمان لأبنه، وبدأ بالتحذير له من الشرك، الذي هو نهاية القبح والشناعة، فقال سبحانه :
[ وإذ قال لقمان لأبنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله ] أى وأذكر لقومك موعظة لقمان الحكيم لولده، حين قال له واعظا ناصحا مرشدا : يا بني كن عاقلا، ولا تشرك بالله أحدا، لا بشرا، ولا صنما، ولا ولدا
[ ان الشرك لظلم عظيم ] أى إن الشرك قبيح، وظلم صارخ، لأنه وضع للشيء في غير موضعه، فمن سوى بين الخالق والمخلوق، وبين الإله والصنم فهو - بلا شك - أحمق الناس، وأبعدهم عن منطق العقل والحكمة، وحري به أن يوصف بالظلم والجهل، ويجعل في عداد البهائم
[ ووصينا الإنسان بوالديه ] أى أمرناه بالإحسان إليهما لا سيما الوالدة
[ حملته أمه وهنا على وهن ] أى حملته جنينا في بطنها وهي تزداد كل يوم ضعفا على ضعف، من حين الحمل إلى حين الولادة، لأن الحمل كلما ازداد وعظم، ازدادت به ثقلا وضعفا
[ وفصاله فى عامين ] أى وفطامه في تمام عامين
[ أن أشكر لي ولوالديك ] أى وقلنا له : أشكر ربك على نعمة الإيمان والإحسان، وأشكر والديك على نعمة التربية
[ إلي المصير ] أى إلى المرجع والمآب، فأجازي المحسن على إحسانه، والمسىء على إساءته، قال في التسهيل :[ أن أشكر ] تفسير للوصية، واعترض بينها وبين تفسيرها بقوله :[ حملته أمه وهنا على وهن وفصاله فى عامين ] ليبين ما تكابده الأم بالولد، مما يوجب عظيم حقها، ولذلك كأن حقها أعظم من حق الأب
[ وأن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ] أى وإن بذلا جهدهما، وأقصى ما في وسعهما، ليحملاك على الكفر والإشراك بالله، فلا تطعهما، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
[ وصاحبهما في الدنيا معروفا ] أى وصاحبهما في الحياة الدنيا، بالمعروف والاحسان إليهما - ولو كانا مشركين - لأن كفرهما بالله، لا يستدعي ضياع المتاعب التي تحملاها في تربية الولد، ولا التنكر للجميل
[ واتبع سبيل من أناب إلي ] أى وأسلك طريق من رجع إلى الله، بالتوحيد والطاعة والعمل الصالح
[ ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتعم تعملون ] أى مرجع الخلق إلى الله، فيجازيهم على أعمالهم، والحكمة من ذكر الوصية بالوالدين - ضمن وصالا لقمان - تأكيد ما أفادته الآية الأولى من تقبيح أمر الشرك [ إن الشرك لظلم عظيم ] فكأنه تعالى يقول : مع أننا وصينا الإنسان بوالديه، وأمرناه بالإحسان إليهما والعطف عليهما، وألزمناه طاعتهما بسبب حقهما العظيم عليه، مع كل هذا فقد نهيناه عن طاعتهما في حالة الشرك والعصيان، لأن الإشراك بالله من أعظم الذنوب، وهو في نهاية القبح والشناعة.. ثم رجع الكلام إلى وصايا لقمان فقال تعالى :
[ يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل ] أى يا ولدي إن الخطيئة والمعصية، مهما كانت صغيرة، حتى ولو كانت وزن حبة الخردل في الصغر
[ فتكن في صخرة أو فى السموات أو فى الأرض يأت بها الله ] أى فتكن تلك السيئة - مع كونها في أقصى غايات الصغر - في أخفى مكان واحرزه، كجوف الصخرة الصماء، أو في أعلى مكان في السماء، أو فى الأرض، يحضرها الله سبحانه ويحاسب عليها، والغرض التمثيل بأن الله لا تخفى عليه خافية من أعمال العباد
[ إن الله لطيف ] أى هو سبحانه لطيف بالعباد
[ خبير ] أى عالم ببواطن الأمور
[ يا بني أقم الصلاة ] أى حافظ على الصلاة في أوقاتها، وبخشوعها وآدابها


الصفحة التالية
Icon