[ أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ] أي أو يرسل ملكا فيبلغ الوحي إلى الرسول، بأمره تعالى ما يشاء تبليغه، كما نزل جبريل بالوحي على الأنبياء قال في التسهيل : بين تعالى في الآية أن كلامه لعباده على ثلاثة أوجه : أحدها الوحي بطريق الإلهام، أو المنام، والآخر أن يسمعه كلامه من وراء حجاب، والثالث : الوحي بواسطة الملك، وهذا خاص بالأنبياء، والثاني خاص بموسى وبمحمد، إذ كلمه الله ليلة الإسراء، وأما الأول فيكون للأنبياء والأولياء وقال الصاوي : وقد يقع الإلهام لغير الأنبياء كالأولياء، غير أن إلهام الأولياء قد يختلط به الشيطان، لأنهم غير معصومين، بخلاف الأنبياء فإلهامهم محفوظ منة
[ إنه على حكيم ] أي إنه تعالى متعالي عن صفات المخلوقين، حكيم في أفعاله وصنعه، تجري أفعاله على موجب الحكمة
[ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ] أي وكما أوحينا إلى غيرك من الرسل أوحينا إليك يا محمد هذا القرآن، وسماه روحا لأن فيه حياة النفوس من موت الجهل، وكان مالك بن دينار يقولى : يا أهل القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم ؟ فإن القرآن ربيع القلوب، كما أن الغيث ربيع الأرض
[ ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ] أي ما كنت يا محمد تعرف قبل الوحي ما هو القرآن، ولا كنت تعرف شرائع الإيمان، ومعالمه على وجه التفصيل
[ ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ] أي ولكن جعلنا هذا القرآن نورا وضياء نهدي به عبادنا المتقين
[ وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم ] أي وإنك يا محمد لترشد إلى دين قيم مستقيم هو الإسلام
[ صراط الله الذى له ما في السموات وما في الأرض ] أي هذا الدين الذي لا اعوجاج فيه، هو دين الله الذي له كل ما في الكون، ملكا وخلقا وعبيدا
[ ألا إلى الله تصير الأمور ] أي ألا إلى الله وحده ترجع الأمور فيفصل فيها بين العباد، بحكمه العادل وقضائه المبرم.
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - المجاز المرسل [ لتنذر أم القرى ] أي لتنذر أهل مكة لأن الإنذار لأهل القرية لا لها. وفي الآية احتباك حيث حذف من كل نظير ما أثبته في الآخر وتقديره : لتنذر أم القرى العذاب، وتنذر الناس يوم الجمع وهو يوم القيامة.
٢ - توالي المؤكدات مع صيغة المبالغة [ ألا إن الله هو الغفور الرحيم ] وهي " ألا "، و " إن " وضمير الفصل " هو " لأن أكثر الناس يجحدون فضل الله.
٣ - الطباق بين [ الجنة.. والسعير ] وبين [ يبسط.. يقدر ] وبين [ ذكرانا.. إناثا ].
٤ - طباق السلب [ يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ].
٥ - الاستعارة اللطيفة [ من كان يريد حرث الآخرة ] الآية شبه العمل للآخرة بالزارع يزرع الزرع، ليجني منه الثمرة والحب، بطريق الاستعارة التمثيلية وهي من لطائف الاستعارة.
٦ - المقابلة [ ويمحو الله الباطل، ويحق الحق بكلماته ].
٧ - عطف العام على الخاص [ ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته ] فالغيث خاص والرحمة عام.
٨ - التشبيه المرسل المجمل [ ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام ] أي كالجبال في الضخامة والعظم.
٩ - التقسيم [ يهب لمن يشاء إناثأ، ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ].
١٠ - جناس الاشتقاق [ وما أصابكم من مصيبة ].
١١ - صيغة المبالغة [ لكل صبار شكور ] أي عظيم الصبر، كبير الشكر. ١
١٢ - المشاكلة [ وجزاء سيئة سيئة مثلها ] سميت الثانية سيئة لمشابهتها للأولى في الصورة. ١
١٣ - توافق الفواصل وهو من المحسنات البديعية وهو كثير في القرآن العظيم [ ومما رزقناهم ينفقون ] [ هم ينتصرون ] وأمثال ذلك.