[ وإنا به كافرون ] أى ونحن كافرون به، لا نصدق إنه كلام الله قال أبو السعود : سموا القرآن سحرا وكفروا به واستحقروا الرسول عليه السلام، فضموا إلى كفرهم السابق، معاندة الحق والاستهانة به
[ وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من الفريقين عظيم ] أى وقال المثركون : هلا أنزل هذا القرآن، على رجل عظيم كبير، في مكة أو الطائف ! ! قال المفسرون : يعنون " الوليد بن المغيرة " في مكة أو " عروة بن مسعود الثقفي " في الطائف.. استبعدت قريش نزول القرآن على محمد، وهو فقير يتيم، واقترحوا أن ينزل على أحد الرؤساء والعظماء، ظنا منهم أن العظيم هو الذي يكون له مال وجاه، وفاتهم أن العظيم هو الذي يكون ذا صفات سامية، ومناقب حميدة، فيصبح عند الله تعالى عظيما، وهم يعتبرون مقياس العظمة : الجاه، والمال، وهذا رآي الجاهلين في كل زمان ومكان، أما مقياس العظمة الحقيقية عند الله تعالى وعند العقلاء، فإنما هو عظمة النفس، وسمو الروح، ومن أعظم نفسا واسمى روحا من (محمد بن عبد الله ) عليه الصلاة والسلام ! ! ولهذا رد تبارك وتعالى عليهم بقوله
[ أهم يقسمون رحمت ربك ] ؟ أى أهم يمنحون النبوة، ويخصون بها من شاءوا من العباد، حتى يقترحوا أن تكون لفلان الغني، أو فلان الكبير من الناس ؟
[ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ] أى نحن بحكمتنا جعلنا هذا غنيا وهذا فقيرا، وفاوتنا بينهم في الأموال والأرزاق، وإذا كان أمر المعيشة - وهو تافه حقير – لم نتركه لهم، بل تولينا قسمته بأنفسنا، فكيف نترك أمر النبوة - وهو عظيم وخطير - لأهوائهم ومشتهياتهم ! ! قال في التسهيل : كما قسمنا المعايش في الدنيا، كذلك قسمنا المواهب الدينية، وإذا كنا لم نهمل الحظوظ الحقيرة الفانية، فأولى وأحرى ألا نهمل الحظوظ الشريفة الباقية
[ ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ] أى فاضلنا بين الخلق في الرزق والعيش، وجعلناهم مراتب : هذا غني، وهذا فقير، وهذا متوسط الحال
[ ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ] أى ليكون كل منهم مسخرا للآخر، يخدم بعضهم بعضا، لينتظم أمر الحياة قال الصاوى : إن القصد من جعل الناس متفاوتين في الرزق، لينتفع بعضهم ببعض، ولو كانوا سواء في جميع الأحوال، لم يخدم أحد أحدا، فيفضي إلى خراب العالم، وفساد نظامه وقال أبو حيان : وقوله تعالى [ سخريا ] بضم السين من التسخير بمعنى الاستخدام، لا من السخرية بمعنى الهزء، والحكمة هي أن يرتفق بعضهم ببعض، ويصلوا إلى منافعهم، ولو تولى كل واحد جميع أشغاله بنفسه، ما أطاق ذلك، وضاع وهلك، وفي قوله [ نحن قسمنا ] تزهيد في الإكباب على طلب الدنيا، وعون على التوكل على الله، وقال قتادة : تلقى إنسانا ضعيف القوة، قليل الحيلة، عيى اللسان، وهو موسع عليه في الرزق، وتلقى شديد الحيلة، بسيط اللسان، وهو مقتر عليه في الرزق، وقال الشافعى : ومن الدليل على القضاء وحكمه بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
[ ورحمت ربك خير مما يجمعون ] أى وإنعامه تعالى عليك بالنبوة، خير مما يجمع الناس من حطام الدنيا الفاني ! ! ثم بين تعالى حقارة الدنيا ودناءة قدرها عند الله، فتال سبحانه
[ ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ] أى ولولا أن يرغب الناس في الكفر، إذا رآوا الكافر في سعة من الرزق، ويصيروا أمة واحدة في الكفر، لخصصنا هذه الدنيا بالكفار، وجعلنا لهم القصور الشاهقة، المزخرفة بأنواع الزينة والنقوش، سقفها من الفضة الخالصة
[ ومعارج عليها يظهرون ] أى وجعلنا لهم مصاعد وسلالم من فضة، عليها يرتقون ويصعدون
[ ولبيوتهم أبوابا وسررا ] أي ولبيولهم أبوابا من فضة وسررا من فضة، زيادة في الرفاهية والنعيم