[ إني آتيكم بسلطان مبين ] أي قد جئتكم بحجة واضحة، وبرهان ساطع، يعترف بهما كل عاقل
[ وإني عذت بربى وربكم أن ترجمون ] أي إلتجأت إليه تعالى واستجرت به من أن تقتلوني قال القرطبي : كأنهم توعدوه بالقتل فاستجار بالله
[ وإن لم تؤمنوا لى فاعتزلون ] أي إن لم تصدقوني ولم تؤمنوا بالله، لأجل ما آتيتكم به من الحجة، فكفوا عن أذاي وخلوا سبيلي قال ابن كثير : أي لا تتعرضوا لي، ودعوا الأمر مسالمة إلى أن يقضى الله بيننا
[ فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون ] أي فدعا عليهم لما كذبوه قائلا : يا رب إن هؤلاء قوم مجرمون فانتقم منهم
[ فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون ] في الكلام حذف تقديره : فأوحينا إليه وقلنا له : أسر بعبادي أي اخرج ببنى إسرائيل ليلا، فإن فرعون وقومه يتبعونكم، ويكون ذلك سببا لهلاكهم
[ واترك البحر رهوا ] أي واترك البحر ساكنا منفرجا على هيئته بعد أن تجاوزه
[ إنهم جند مغرقون ] أي إن فرعون وقومه يغرقون فيه قال في التسهيل : لما جاوز موسى البحر، أراد ان يضربه بعصاه فينطبق كما ضربه فانفلق، فأمره الله بأن يتركه ساكنا كما هو ليدخله فرعون وقومه فيغرقوا فيه، وإنما أخبره تعالى بذلك ليبقى فارغ القلب من شرهم وإيذائهم، مطمئنا إلى أنهم لن يدركوا بني إسرائيل، ثم أخبر تعالى عن هلاكهم فقال
[ كم تركوا من جنات وعيون ] كم للتكثير أي لقد تركوا كثيرا من البساتين، والحدائق الغناء، والأنهار والعيون الجارية
[ وزروع ومقام كريم ] أي ومزارع عديدة فيها أنواع المزروعات ومجالس ومنازل حسنة قال قتادة :[ ومقام كريم ] هي المواضع الحسان من المجالس والمساكن وغيرها
[ ونعمة كانوا فيها فاكهين ] أي وتنعم بالعيش مع الحسن والنضارة، كانوا فيها ناعمين بالرفاهية وكمال السرور قال الإمام الفخر : بين تعالى أنهم بعد غرقهم تركوا هذه الأشياء الخمسة وهي : الجنات، والعيون، والزروع، والمقام الكريم - وهو المجالس والمنازل الحسنة - ونعمة العيش بفتح النون وهي حسنه ونضارته
[ كذلك وأورثناها قوما آخرين ] أي كذلك فعلنا بهم حيث أهلكناهم، وأورثنا ملكهم وديارهم لقوم آخرين، كانوا مستعبدين في يد القبط وهم بنو إسرائيل قال ابن كثير : والمراد بهم بنو إسرائيل فقد استولوا - بعد غرق فرعون وقومه - على الممالك القبطية، والبلاد المصرية كما قال تعالى [ وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ] وقال تعالى في مكان آخر [ وأورثناها بني إسرائيل ]
[ فما بكت عليهم السماء والأرض ] أي فما حزن على فقدهم أحد، ولا تأثر بموتهم كائن من الخلق
[ وما كانوا منظرين ] أي وما كانوا مؤخرين وممهلين إلى وقت آخر، بل عجل عقابهم في الدنيا قال القرطبي : تقول العرب عند موت السيد منهم : بكت له السماء والأرض، أي عمت مصيبته الأشياء حتى بكته الأرض والسماء، والريح والبرق، قال الشاعر : فيا شجر الخابور ما لك مورقا كأنك لم تجزع لموت طريف وذلك على سبيل التمثيل والتخييل، مبالغة في وجوب الجزع والبكاء عليه والمعنى : أنهم هلكوا فلم تعظم مصيبتهم، ولم يوجد لهم فقد، وقيل : هو على حذف مضاف أي ما بكى عليهم أهل السماء وأهل الأرض.
قال الله تعالى :[ ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين.. ] إلى قوله [ فارتقب إنهم مرتقبون ] من آية (٣٠) إلى آية (٥٩ ) نهاية السورة الكريمة.
المناسبة :
لما ذكر تعالى إهلاك فرعون وقومه، أردفه بذكر إحسانه لبني إسرائيل، ليشكروا ربهم على إنعامه وإحسانه، ثم حذر كفار مكة من بطش الله وانتقامه، وختم السورة الكريمة ببيان حال الأشقياء والسعداء، في يوم الفصل والجزاء.
اللغة :
[ عاليا ] متكبرا جبارا
[ بلاء ] اختبار وامتحان


الصفحة التالية
Icon