[ ذق إنك أنت العزيز الكريم ] أي يقال له على سبيل الاستهزاء والإهانة : ذق هذا العذاب فإنك أنت المعزز المكرم قال عكرمة : التقى النبي (ص) بأبي جهل فقال النبي (ص) : إن الله أمرني أن أقول لك [ أولى لك فأولى ] فقال : بأي شيء تهددنى والله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا، إني لمن أعز هذا الوادي، وأكرمه على قومه، فقتله الله يوم بدر وأذله، ونزلت هذه الآية
[ إن هذا ما كنتم به تفترون ] أي إن هذا العذاب هو ما كنتم تشكون به في الدنيا، فذوقوه اليوم، هل هو كما كنتم تزعمون وتقولون : إنه سحر ؟ [ أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون ] والجمع في الآية باعتبار المعنى لأن المراد جنس الأليم.. ولما ذكر تعالى أحوال أهل النار، أتبعه بذكر أحوال أهل الجنة، فقال سبحانه
[ إن المتقين في مقام أمين ] أي الذين اتقوا الله في الدنيا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، هم اليوم في موضع إقامة في جنات الخلد، يأمنون فيها من الآفات والمنغصات والمكاره، ولهذا قال بعده
[ في جنات وعيون ] أي في حدائق وبساتين ناضرة، وعيون جارية
[ يلبسون من سندس واستبرق ] أي يلبسون ثياب الحرير، الرقيق منه وهو (السندس ) والسميك، منه وهو (الاستبرق )
[ متقابلين ] أي متقابلين في المجالس ليستأنس بعضهم ببعض
[ كذلك وزوجناهم بحور عين ] أي كذلك أكرمناهم بأنواع الإكرام، وزوجناهم أيضا بالحور الحسان في الجنان قال البيضاوي : أي قرناهم بالحور العين، والحوراء : البيضاء، والعيناء، عظيمة العينين، وإنما وصف تعالى نعيمهم بذلك، لأن الجنات والأنهار من أقوى أسباب نزهة الخاطر، وذهاب الغم ثم ذكر تعالى الحور الحسان، لأن بها اكتمال سعادة الإنسان، كما قيل :(ثلاثة تنفي عن القلب الحزن : الماء، والخضرة، والوجه الحسن ) ثم زاد في بيان النعيم فقال
[ يدعون فيها بكل فاكهة آمنين ] أي يطلبون من الخدم إحضار جميع أنواع الفواكه في الجنة، لأجل أنهم آمنون من التخم والأمراض، فلا تعب في الجنة ولا وصب
[ لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ] استثناء منقطع أي لا يذوقون في الجنة الموت، لكنهم قد ذاقوا الموتة الأولى في الدنيا، فلم يعد ثمة موت، بل خلود أبد الآبدين
[ ووقاهم عذاب الجحيم ] أي خصهم ونجاهم من عذاب جهنم العديد الأليم
[ فضلا من ربك ] اي فعل ذلك بهم تفضلا منه تعالى عليهم
[ ذلك هو الفوز العظيم ] أي ذلك الذي أعطوه من النعيم، هو الفوز العظيم الذي لا فوز وراءه
[ فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ] أي فإنما سهلنا القرآن بلغتك - وهي لسان العرب - لعلهم يتعظون وينزجرون
[ فارتقب إنهم مرتقبون ] أي فانتظر يا محمد ما يحل بهم، إنهم منتظرون هلاكك، وسيعلمون لمن تكون النصرة والظفر في الدنيا والآخرة، وفيه وعد للرسول (ص) ووعيد للمشركين الفجرة، بما أعده الله لهم من العذاب المقيم، في دار الجحيم.
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلى :
١ - صيغة المبالغة [ السميع العليم ] [ العزيز الرحيم ] [ العزيز الكريم ].
٢ - الطباق بين [ يحيى ويميت ] وكذلك بين [ إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين ].
٣ - تحريك الهمة للإيمان والتبصر [ إن كنتم موقنين ].
٤ - الإيجاز بحذف بعض الكلام [ أن أسر بعبادي ] أي وقلنا له بأن أسر.
٥ - الاستعارة اللطيفة [ فما بكت عليهم السماء والأرض ] أي لم يتغير بهلاككم شىء ولم تحزن عليهم السماء والأرض بعد انقطاع آثارهم، والعرب يقولون في التعظيم : بكت عليه السماء والأرض، وأظلمت له الدنيا، ويقولون في التحقير : مات فلان فلم تخشع له الجبال.
٦ - الأمر الذي يراد به التعجيز [ فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ].