[ وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ] أي وإن تؤمنوا بالله وتتقوه حق تقواه، يعطكم ثواب أعمالكم كاملا
[ ولا يسألكم أموالكم ] أي ولا يطلب منكم أن تنفقوا جميع أموالكم، بل الزكاة المفروضة فيها قال ابن كثير : أي هو غنى عنكم، لا يطلب منكم شيئا، وإنما فرض عليكم الصدقات من الأموال، مواساة لإخوانكم الفقراء، ليعود ذلك ثوابه عليكم
[ إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ] أي إن يسألكم جميع أموالكم، ويبالغ في طلبها، ويلح عليكم في إنفاقها، تبخلوا
[ ويخرج أضغانكم ] أي ويخرج ما في قلوبكم من البخل وكراهة الإنفاق قال في التسهيل : وذلك لأن الإنسان جبل على محبة الأموال، ومن نوزع في حبيبه ظهرت سرائره، فمن رحمته تعالى على عباده، عدم التشديد عليهم في التكاليف
[ ها إنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله ] أي ما أنتم معشر المخاطبين تدعون للإنفاق في سبيل الله، وقد كلفتم ما تطيقون
[ فمنكم من يبخل ] أي فمنكم من يشح عن الإنفاق ويمسك عنه
[ ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ] أي ومن بخل عن الإنفاق في سبيل الله، فإنما يعود ضرر بخله على نفسه، لأنه يمنعها الأجر والثواب قال الصاوي : وبخل يتعدى ب " على " إذا ضمن معنى شح، وب " عن " إذا ضمن معنى أمسك
[ والله الغنى وأنتم الفقراء ] أي والله مستغني عن إنفاقكم، ليس بمحتاج إلى أموالكم، وأنتم محتاجون إليه
[ وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ] أي وإن تعرضوا عن طاعته واتباع أوامره، يستخلف مكانكم قوما آخرين، يكونون أطوع لله منكم
[ ثم لا يكونوا أمثالكم ] أي لا يكونون مثلكم في البخل عن الإنفاق، بل يكونوا كرماء أسخياء، ينفقون لمرضاة الله، ويجاهدون في سبيل الله ٠
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - المقابلة بين الآية الأولى والثانية [ الذين كفروا وصدوا عن سببل الله أضل أعمالهم ] وبين [ والذين آمنوا وعملوا الصالحات.. ] الآية وهو من المحسنات البديعية.
٢ - ذكر الخاص بعد العام [ وآمنوا بما نزل على محمد ] والنكتة تعظيمه والاعتناء بشأن الإيمان به.
٣ - الاستعارة التبعية [ تضع الحرب أوزارها ] شبه ترك القتال بوضع الله، واشتق من الوضع " تضع " بمعنى تنتهي وتترك بطريق الاستعارة التبعية.
٤ - المجاز المرسل [ ويثبت أقدامكم ] أطلق الجزء وأراد الكل أي يثبتكم، وعبر بالأقدام لأن الثبات والتزلزل يظهران فيها، وهو مثل [ بما كسبت أيديكم ] لأن العمل يكون بالأيدي
٥ - ا لطباق بين [ منا.. وفداء ] وبين [ آمنوا.. وكفروا ] وبين [ الغني.. والفقراء ]
٦ - المجاز العقلي [ فإذا عزم الأمر ] نسب العزم إلى الأمر وهو لأهله، مثل قولنا : المحسن نهاره صائم.
٧ - الالتفات [ فهل عسيتم إن توليتم ] وهو التفات من الغيبة إلى الخطاب لتأكيد التوبيخ وتشديد التقريع.
٩ - الاستعارة التصريحية [ أم على قلوب أقفالها ] شبه قلوبهم بالأبواب المقفلة، فإنها لا تنفتح لوعظ واعظ، ولا يفيد فيها عدل عادل، وهي من لطائف الاستعارات.
١٠ - الإطناب بتكرار ذكر الأنهار [ فيها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين.. ] الآية وذلك لزيادة التشويق إلى نعيم الجنة.
١١ - الكناية [ ارتدوا على أدبارهم ] كناية عن الكفر بعد الإيمان.
١٢ - السجع الرصين غير المتكلف [ أضل أعمالهم. واتبعوا أهواءهم. وأعمى أبصارهم ] إلخ. وهو من المحسنات البديعية.


الصفحة التالية
Icon