[ وفي الأرض آيات للموقنين ] أي وفي الأرض دلائل واضحة على قدرة الله سبحانه ووحدانيته، للموقين بالله وعظمته، الذين يعرفونه بصنعه، قال ابن كثير : أي وفي الأرض من الآيات الدالة على عظمة خالقها وقدرته الباهرة، مما فيها من صنوف النباتات والحيوانات، والجبال والقفار، والبحار، والأنهار، واختلاف ألسنة الناس وألوانهم، وما بينهم من التفاوت في العقول والفهوم، والسعادة والشقاوة، وما في تركيبهم من الخلق البديع آيات باهرة، دالة على وحدانية الله، وعظمته وجلاله، لمن أيقن بوجوده، ولهذا قال بعده
[ وفي أنفسكم أفلا تبصرون ] أي وفي أنفسكم آيات وعبر، من مبدأ خلقكم إلى منتهاه، أفلا تبصرون قدرة الله في خلقكم ؟ لتعرفوا قدرته على البعث ؟ قال ابن عباس : يريد اختلاف الصور، والألسنة، والألوان، والطبائع والسمع، والبصر، والعقل إلى غير ذلك من العجائب المودعة في ابن آدم، وقال قتادة : من تفكر في خلق نفسه، عرف أنه إنما خلق ولينت مفاصله للعبادة
[ وفي السماء رزقكم وما توعدون ] أي وفي السماء أسباب رزقكم ومعاشكم ؟ وهو المطر الذي به حياة البلاد والعباد، وما توعدون به من الثواب والعقاب، مكتوب كذلك في السماء، قال الصاوي : والآية قصد بها الإمتنان والوعد والوعيد
[ فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ] أي أقسم برب السماء والأرض، إن ما توعدون به من الرزق والبعث والنشور، لحق كائن لا محالة، مثل نطقكم، فكما لا تشكون في نطقكم حين تنطقون، فكذلك يجب ألا تشكوا في الرزق والبعث، قال المفسرون : وهذا على سبيل التشبيه والتمثيل أي رزقكم مقسوم في السماء كنطقكم، فلا تشكوا في ذلك، وهذا كقول القائل : هذا حق كما أنك أمامي، وهذا حق كما أنك ترى وتسمع، فالرزق مثل النطق، لا يفارق الشخص في حال من الأحوال، وفي الحديث :(لو أن أحدكم فر من رزقه، لتبعه كما يتبعه أجله ).. ثم ذكر تعالى قصة ضيف إبراهيم، تسلية لقلب النبي الكريم فقال :
[ هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين ] ؟ الاستفهام للتشويق ولتفخيم شأن تلك القصة، كما يقول القائل : هل بلغك الخبر الفلاني ؟ يريد تشويقه إلى استماعه، والمعنى : هل وصل إلى سمعك يا محمد، خبر ضيوف إبراهيم المعظمين ؟ قال ابن عباس : يريد جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام، سموا مكرمين لكرامتهم عند الله عز وجل
[ إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما ] أي حين دخلوا على إبراهيم، فقالوا : نسلم عليك سلاما
[ قال سلام قوم منكرون ] اي قال عليكم السلام، أنتم قوم غرباء لا نعرفكم فمن أنتم ؟ قال ابن كثير : وإنما أنكرهم لأنهم قدموا عليه في صورة شبان حسان، عليهم مهابة عظيمة، ولهذا أنكرهم وقال أبو حيان : والذي يناسب حال إبراهيم عليه السلام أنه لا يخاطبهم بذلك، إذ فيه من عدم الأنس ما لا يخفى، وإنما قال ذلك في نفسه، أو لمن كان معه من أتباعه وغلمانه، بحيث لا يسمع ذلك الأضياف
[ فراغ الى أهله ] أي فمضى إلى أهله، في سرعة وخفية عن ضيفه، لأن من أدب المضيف أن يبادر باحضار الضيافة، من غير أن يشعر به الضيف، حذرا من أن يمنعه الضيف، أو يثقل عليه في التأخير، قال ابن قتيبة : عدل إليهم في خفية، ولا يكون الزواغ إلا أن تخفي ذهابك ومجيئك
[ فجاء بعجل سمين ] أي فجاءهم بعجل سمين مشوي، والعجل ولد البقرة وكان عامة ماله البقر، واختاره لهم سمينا، زيادة في إكرامهم