[ أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون ] أي وتقول لهم الزبانية تقريعا وتوبيخا : هل هذا الذي ترونه بأعينكم من العذاب سحر، أم انتم اليوم عمى كما كنتم في الدنيا عميا عن الخير والإيمان ؟ قال أبو السعود : وقوله تعالى :[ أفسحر هذا ] توبيخ لهم وتقريع، حيث كانوا يسمون القرآن الناطق بالحق : سحرا، فكأنه قيل لهم : كنتم تقولون عن القرآن إنه سحر، أفهذا العذاب أيضا سحر ؟ أم سدت أبصاركم كما سدت في الدنيا ؟
[ اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا ] أي قاسوا شدتها فاصبروا على العذاب أو لا تصبروا، وهو توبيخ آخر
[ سواء عليكم ] أي يتساوى عليكم الصبر والجزع، لأنكم مخلدون في جهنم أبدا
[ إنما تجزون ما كنتم تعملون ] أي إنما تنالون جزاء أعمالكم القبيحة، من الكفر والتكذيب، ولا يظلم ربك أحدا !! ولما ذكر حال الكفرة الأشقياء، ذكر حال المؤمنين السعداء، على عادة القرآن الكريم في الجمع بين الترهيب والترغيب، فقال سبحانه :
[ إن المتقين في جنات ونعيم ] آي إن الذين اتقوا ربهم في الدنيا، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، هم في الآخرة في بساتين عظيمة ونعيم مقيم خالد
[ فاكهين بما آتاهم ربهم ] أي متنعمين ومتلذذين بما أعطاهم ربهم من الخير والكرامة وأصناف الملاذ من مأكل ومشارب، وملابس ومراكب، وغير ذلك من ملاذ الجنة
[ ووقاهم ربهم عذاب الجحيم ] أي وقد نجاهم ربهم من عذاب جهنم، وصرف عنهم أهوالها، قال ابن كثير : وتلك نعمة مستقلة بذاتها، مع ما أضيف إليها من دخول الجنة، التي فيها من السرور، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر
[ كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون ] أي يقال لهم : كلوا واشربوا أكلا وشربا هنيئا، لا تنغيص فيه ولا كدر، بسبب ما قدمتم من صالح الأعمال.. ثم أخبر تعالى عن حالهم عند أكلهم وشربهم، فقال سبحانه :
[ متكئين على سرر مصفوفة ] أي جالسين على هيئة المضطجع، على سرر من ذهب، مكللة بالدر والياقوت، مصطفة بعضها إلى جانب بعض، قال ابن كثير :[ مصفوفة ] أي وجوه بعضهم إلى بعض كقوله :[ على سرر متقابلين ] وفي الحديث :" إن الرجل ليتكىء المتكأ مقدار أربعين سنة، ما يتحول عنه ولا يمله، يأتيه ما اشتهت نفسه ولذت عينه "
[ وزوجناهم بحور عين ] أي وجعلنا لهم قرينات صالحات، وزوجات حسانا من الحور العين، وهن نساء بيض واسعات العيون - من الحور وهو شدة البياض، والعين بكسر العين جمع عيناء وهي كبيرة العين - والبياض مع سعة العين نهاية الحسن والجمال
[ والذين أمنوا وأتبعتهم ذريتهم بإيمان ] أي كانوا مؤمنين وشاركهم أولادهم في الإيمان
[ ألحقنا بهم ذريتهم ] أي ألحقنا الأبناء بالأباء لتقر بهم أعينهم، وإن لم يبلغوا عملهم، قال ابن عباس : إن الله عز وجل ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة، وإن كان لم يبلغها بعمله، لتقر بهم عينه وتلا الآية. قال الزمخشري : فيجمع الله لأهل الجنة أنواع السرور، بسعادتهم في أنفسهم، وبمزاوجة الحور العين، وبمؤانسة الإخوان المؤمنين، وباجتماع أولادهم ونسلهم بهم
[ وما ألتناهم من عملهم من شيء ] أي وما نقصنا الأباء من ثواب عملهم شيئا، قال في البحر : المعنى أنه تعالى يلحق المقصر بالمحسن ولا ينقص المحسن من أجره شيئا
[ كل امرئ بما كسب رهين ] أي كل إنسان مرتهن بعمله، لا يحمل عليه ذنب غيره، سواء كان أبا أو ابنا، وقال ابن عباس : ارتهن أهل جهنم بأعمالهم، وصار أهل الجنة إلى نعيمهم وقال الخازن : المراد بالآية الكافر، أي كل كافر بما عمل من الشرك مرتهن بعمله في النار، والمؤمن لا يكون مرتهنا بعمله، لقوله تعالى :[ كل نفس بما كسبت رهينة، إلا أصحاب اليمين.. ثم ذكر ما وعدهم به من الفضل والنعمة فقال سبحانه :


الصفحة التالية
Icon