[ فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون ] أي اتركهم با محمد يتمادون في غيهم وضلالهم، حتى يلاقوا ذلك اليوم الرهيب - يوم القيامة - الذي يأتيهم فيه من العذاب، ما يزيل عقولهم ويسلب ألبابهم
[ يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ] أي يوم لا ينفعهم كيدهم ولا مكرهم الذي استعملوه في الدنيا، ولا يدفع عنهم شيئا من العذاب
[ ولا هم ينصرون ] أي ولا هم يمنعون من عذاب الله في الآخرة
[ وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ] أي وإن للذين كفروا عذابا شديدا في الدنيا، قبل عذاب الآخرة، قال ابن عباس : هو عذاب القبر، وقال مجاهد : هو الجوع والقحط سبع سنين
[ ولكن أكثرهم لا يعلمون ] أي لا يعلمون أن العذاب نازل بهم
[ واصبر لحكم ربك ] أي اصبر يا محمد على قضاء ربك وحكمه، فيما حملك به من أعباء الرسالة
[ فإنك بأعيننا ] أي فإنك بحفظنا وكلاءتنا نحرسك ونرعاك
[ وسبح بحمد ربك حين تقوم ] أي ونزه ربك عما لا يليق به، من صفات النقص، حين تقوم من منامك ومن كل مجلس، بأن تقول : سبحان الله وبحمده، قال ابن عباس : أي صل لله حين تقوم من منامك
[ ومن الليل فسبحه ] أي ومن الليل فاذكره واعبده بالتلاوة والصلاة والناس نيام، كقوله :[ ومن الليل فتهجد به نافلة لك ]
[ وإدبار النجوم ] أي وصل له في آخر الليل، حين تدبر وتغيب النجوم بضوء الصبح، قال ابن عباس : هما الركعتان اللتان قبل صلاة الفجر وفي الحديث :(ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها).
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - جناس الاشتقاق [ تمور السماء مورا ] و[ تسير الجبال سيرا ].
٢ - ا لاهانة والتوبيخ [ اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا ] وبين قوله :[ اصبروآ ] وقوله :[ أو لا تصبروا ] طباق السلب وهو من المحسنات البديعية.
٣ - التشبيه المرسل المجمل [ كأنهم لؤلؤ مكنون ] حذف منه وجه الشبه فهو مجمل.
٤ - الاستعارة التبعية [ ريب آلمنون ] شبهت حوادث الدهر بالريب الذي هو الشك، بجامع التحير وعدم البقاء على حالة واحدة في كل منهما، واستعير لفظ الريب لصروف الدهر ونوائبه، بطريق الاستعارة التبعية.
٥ - الأسلوب التهكمي [ أم تأمرهم أحلامهم بهذا ] ؟ جاءت بطريق التهكم والسخرية بعقولهم، كأنه يقول : هل وصلت بهم العبقرية إلى هذا الهذيان ؟
٦ - الالتفات من الغيبة إلى الخطاب، لزيادة التوبيخ والتقريع لهم [ أم له البنات ولكم البنون ] ؟.
٧ - أسلوب الفرض والتقدير [ وإن يروا كسفا من السماء ساقطا ] أي لو رأوا ذلك لقالوا ما قالوا.
٨ - السجع الرصين غير المتكلف مثل [ والطور وكتاب مسطور في رق منشور ] ومثل [ إن عذاب ربك لواقع، ما له من دافع ] وهو من المحسنات البدبعية.
فائدة :
عن جبير بن مطعم قال : قدمت المدينة لأسأل رسول الله (ص) فى أسارى بدر، فوافيته يقرأ في صلاة المغرب [ والطور وكتاب مسطور.. ] فلما قرأ [ إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع ] فكأنما صدع قلبي، فأسلمت خوفا من نزول العذاب، فلما انتهى إلى هذه الآية [ أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون، أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون ] ؟ كاد قلبي أن يطير.


الصفحة التالية
Icon