[ ولم يرد إلا الحياة الدنيا ] أي وليس له هم إلا الدنيا، وما فيها من النعيم الزائل، والمتعة الفانية، قال ابو السعود : والمراد النهى عن دعوة المعرض عن كلام الله، وعدم الاعتناء بشأنه، فإن من أعرض عما ذكر، وانهمك في الدنيا بحيث صارت منتهى همته وقصارى سعيه، لا تزيده الدعوة إلا عنادا وإصرارا على الباطل
[ ذلك مبلغهم من العلم ] أي ذلك نهاية علمهم، وغاية إدراكهم، أن آثروا الدنيا على الآخرة
[ إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى ] أي هو عالم بالفريقين : الضالين، والمهتدين، وسيجازيهم بأعمالهم
[ ولله ما في السموات والأرض ] أي له كل ما في الكون، خلقا وملكا وتصرفا، ليس لأحد من ذلك شيء أصلا
[ ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ] أي ليجازي المسيء بإساءته
[ ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ] أي وليجازي المحسن بالجنة جزاء إحسانه، قال ابن الجوزي : والآية إخبار عن قدرته وسعة ملكه، وهو كلام معترض بين الآية الأولى وبين قوله :[ ليجزي الذين أساءوا ] لأنه إذا كان أعلم بالمسيء وبالمحسن، جازى كلا بما يستحقه، وإنما يقدر على مجازاة الفريقين، إذا كان واسع الملك.. ثم ذكر تعالى صفات المتقين المحسنين، فقال سبحانه :
[ الذين يجتنبون كبائر الإثم ] أي يبتعدون عن كبائر الذنوب، كالشرك، والقتل، وأكل مال اليتيم
[ والفواحش ] أي ويبتعدون عن الفواحش جمع فاحشة وهي ما تناهى قبحها عقلا وشرعا، كالزنى، ونكاح زوجة الأب لقوله تعالى :[ ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة ] وقوله :[ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ]
[ إلا اللمم ] أي إلا ما قل وصغر من الذنو ب، قال القرطبي : وهي الصغائر التي لا يسلم من الوقوع فيها إلا من عصمه الله، كالقبلة والغمزة والنظرة وفي الحديث :(إن الله عز وجل كتب على ابن آدم حظه من الزنى، أدرك ذلك لا محالة، فزنى العينين النظر، وزنى اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه ) فإذا اجتنب العبد كبانر الذنوب، غفر الله بفضله وكرمه الصغائر، لقوله تعالى :[ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ] يعني الصغائر (( قال الخازن : روي عن عمر وابن عباس أنهما قالا : لا كبيرة فى الإسلام، ومعناه لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع الإصرار، فالكبيرة تمحى بالاستغفار والتوبة، والصغيرة تصير كبيرة بالاصرار عليها
[ إن ربك واسع المغفرة ] أي هو تعالى غفار الذنوب، ستار العيوب، يغفر لمن فعل ذلك ثم تاب، قال أبى كثير : أي رحمته وسعت كل شىء، ومغفرته تسع الذنوب كلها لمن تاب منها قال البيضاوي : ولعله عقب به وعيد المسيئين ووعد المحسنين، لئلا ييأس صاحب الكبيرة من رحمته، ولا يتوهم وجوب العقاب على الله تعالى
[ هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض ] أي هو جل وعلا آعلم بأحوالكم منكم، قبل أن يخلقكم، ومن حين أن خلق أباكم آدم من التراب
[ وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم ] أي ومن حين أن كنتم مستترين في أرحام أمهاتكم، فهو تعالى يعلم التقى والشقي، والمؤمن والكافر، والبر والفاجر، علم ما تفعلون، وإلى ماذا تصيرون
[ فلا تزكوا أنفسكم ] أي لا تمدحوها على سبيل الإعجاب، ولا تشهدوا لها بالكمال والتقى، فإن النفس خسيسة، إذا مدحت أغترت وتكثرت، قال أبو حيان : أي لا تنسبوها إلى الطهارة عن المعاصي، ولا تثنوا عليها، فقد علم الله منكم الزكى والتقى، قبل إخراجكم من صلب آدم، وقبل إخراجكم من بطون أمهاتكم
[ هو أعلم بمن اتقى ] أي هو تعالى العالم بمن أخلص العمل، واتقى ربه قي السر والعلن