[ ويقولوا سحر مستمر ] أي ويقولوا هذا سحر دائم، سحر به محمد أعيننا، قال المفسرون : إن كفار مكة قالوا للرسول (ص) : إن كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين، ووعدوه بالإيمان إن فعل، وكانت ليلة بدر، فسأل رسول الله (ص)ربه أن يعطيه ما طلبوا، فانشق القمر، نصف على جبل الصفا، ونصف على جبل قيقعان المقابل له، حتى رأوا حراء بينهما، فقالوا : سحرنا محمد، ثم قالوا : إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم !! فقال أبو جهل : اصبروا حتى تأتينا أهل البوادي، فإن أخبروا بانشقاقه فهو صحيح، وإلا فقد سحر محمد أعيننا، فجاءوا فأخبروا بانشقاق القمر فقال أبو جهل والمشركون : هذا سحر مستمر أي دائم، فأنزل الله :[ اقتربت الساعة وانشق القمر وأن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ] (( هذا قول جمهور المفسرين وهو مروي عن ابن عباس وأنس وابن عمر، وذهب بعضهم إلى أن القمر سينشق يوم القيامة قال ابن الجوزي : وهو قول شاذ لا يقاوم الإجماع، لأنه جاء بلفظ الماضي ﴿وانشق القمر﴾ فهو أمر حدث ووقع )) قال الخازن : وانشقاق القمر من آيات رسول الله (ص) الظاهرة، ومعجزاته الباهرة، يدل عليه ما أخرجه الشيخان عن أنس (أن أهل مكة سألوا رسول الله (ص)أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر مرتين )وما روي عن ابن مسعود قال :" انشق القمر على عهد رسول الله، شقتين فقال رسول الله (ص) : اشهدوا " وما روي عن جبير بن مطعم قال :" انشق القمر على عهد رسول الله (ص)فصار فرقتين، فقالت قريش : سحر محمد أعيننا فقال بعضهم : لئن كان سحرنا فما يستطيع أن يسحر الناس كلهم، فكانوا يتلقون الركبان فيخبرونهم بأنهم قد رأوه فيكذبونهم " فهذه الأحاديث الصحيحة، قد وردت بهذه (المعجزة العظيمة)، مع شهادة القرآن العظيم بذلك، فإنه أدل دليل وأقوى مثبت له، وإمكانه لا يشك فيه مؤمن، وقيل في معنى الآية : ينشق القمر يوم القيامة، وهذا قول باطل لا يصح، وشاذ لا يثبت، لإجماع المفسرين على خلافه، ولأن الله ذكره بلفظ الماضى [ وانشق القمر ] وحمل الماضى على المستقبل بعيد
[ وكذبوآ واتبعوا أهواءهم ] أي وكذبوا النبى (ص)وما عاينوه من قدرة الله تعالى في انشقاق القمر، واتبعوا ما زين لهم الشيطان من الباطل
[ وكل أمر مستقر ] أي وكل أمر من الأمور، منته إلى غاية يستقر عليها لا محالة، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، قال مقاتل : لكل حديث منتهى، وحقيقة ينتهي إليها، وقال قتادة : إن الخير يستقر بأهل الخير، والشر يستقر بأهل الشر، وكل أمر مستقر بأهله
[ ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر ] أي ولقد جاء هؤلاء الكفار من أخبار الأمم الماضية المكذبين للرسل، ما فيه واعظ لهم، عن التمادي في الكفر والضلال
[ حكمة بالغة ] أي هذا القرآن حكمة بالغة، بلغت النهاية في الهداية والبيان
[ فما تغني النذر ] أي أي شيء تغنى النذر عمن كتب الله عليه الشقاوة، وختم على سمعه وقلبه ؟ ! قال المفسرون : المعنى لقد جاءهم القرآن وهو حكمة تامة قد بلغت الغاية، فماذا تنفع الإنذارات والمواعيد، لقوم أصموا آذانهم عن سماع كلام الله ؟ كقوله تعالى :[ وما تغني الأيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ]
[ فتول عنهم ] أي فأعرض يا محمد عن هؤلاء المجرمين وانتظرهم
[ يوم يدع الداع إلى شيء نكر ] أي يوم يدعو إسرافيل إلى شىء منكر فظيع، تنكره النفوس لشدته وهوله، وهو يوم القيامة وما فيه من البلاء والأهوال
[ خشعا أبصارهم ] أي ذليلة أبصارهم، لا يستطيعون رفعها من شدة الهول
[ يخرجون من الأجداث ] أي يخرجون من القبور