[ ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ] أي ويقول كفار مكة للمسلمين، على سبيل السخرية والتهكم : متى ستنصرون علينا ويكون لكم الغلبة والفتح علينا ؟ إن كنتم صادقين في دعواكم، قال الصاوي : كان المسلمون يقولون : إن الله سيفتح لنا على المشركين، ويفصل بيننا وبينهم، وكان أهل مكة إذا سمعوهم، يقولون بطريق الاستعجال تكذيبا واستهزات : متى هذا الفتح والنصر ؟ إن كنتم صادقين في دعواكم ؟ فنزلت
[ قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ] أي قل لهم يا محمد توبيخا وتبكيتا : إن يوم القيامة هو يوم النصر الحقيقى، الذي يفصل تعالى فيه بيننا وبينكم، ولا ينفع فيه الإيمان ولا الاعتذار، فلمإذا تستعجلون ؟
[ ولا هم ينظرون ] أي ولا هم يؤخرون ويمهلون للتوبة، قال البيضاوى : ويوم الفتح هو يوم القيامة، فإنه يوم نصر المؤمنين على الكافرين والفصل بينهم، وقيل هو يوم بدر
[ فأعرض عنهم ] أي فأعرض يا محمد عن هؤلاء الكفار، ولا تبال بهم
[ وانتظر إنهم منتظرون ] أي وانتظر ما يحل بهم من عذاب الله، إنهم منتظرون كذلك ما يحل بكم ! ! قال القرطبي : أي ينتظرون بكم حوادث الزمان.
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - جناس الاشتقاق مثل [ تنذر.. ونذير ] وكذلك مثل [ آنتظر.. انهم منتظرون ].
٢ - ا لطباق بين [ الغيب.. والشهادة ] وبين [ خوفا.. وطمعا ].
٣ - الالتفات من الغيبة إلى الخطاب [ وجعل لكم ] والأصل " وجعل له " والنكتة أن الخطاب إنما يكون مع الحي، فلما نفخ تعالى الروح فيه حسن خطابه مع ذريته.
٤ - الاستفهام الإنكاري وغرضه الاستهزاء [ أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد ]
٥ - الإضمار [ ربنا أبصرنا وسمعنا ] أي يقولون ربنا أبصرنا وسمعنا.
٦ - الاختصاص [ ثم إلى ربكم ترجعون ] أي إليه لا إلى غيره مرجعكم يوم القيامة.
٧ - حذف جواب (لو) للتهويل [ ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم ] أي لرأيت أمرا مهولا فظيعا، لا يكاد يتصور من هوله وفظاعته.
٨ - المشاكلة وهي الاتفاق في اللفظ مع الاختلاف في المعنى [ نسيتم لقاء يومكم.. إنا نسيناكم ] فإن الله تعالى لا ينسى، وإنما المراد نترككم في العذاب ترك الشيء المنسي.
٩ - المقابلة اللطيفة بين (جزاء الأبرار) و(جزاء الفجار) [ أما الله آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى.. ، [ وأما الذين فسقوا فمأواهم النار ] وهو من المحسنات البديعية.
١٠ - الكناية عن كثرة العبادة والتبتل ليلا [ تتجافى جنوبهم عن المضاجع ] كمن هجر الفراش ليتفرغ للعبادة والطاعة.
١١- الاستفهام للتقريع والتوبيخ [ أولم يهد لهم ] ؟ [ أولم يروا أنا نسوق الماء ] ؟ [ أفلا يسمعون ] ؟ [ أفلا يبصرون ] وكلها بقصد الزجر والتوبيخ.
١٢ - السجع مراعاة للفواصل ورءوس الآيات مثل : إنا موقنون * وهم لا يستكبرون* لعلهم يرجعون " أفلا يسمعون، وهذا من المحسنات البديعية وهو كثير في القرآن الكريم.