[ وأنتم حينئذ تنظرون ] أي وأنتم في ذلك الوقت تنظرون إلى المحتضر، وما يكابده من شدائد وأهوال
[ ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ] أي ونحن بعلمنا وإطلاعنا أقرب إلى الميت منكم، ولكن لا تعلمون ذلك، ولا تبصرون ملائكتنا الذين حضروه لقبض روحه، قال ابن كثير : ومعنى الآية : ملائكتنا أقرب إليه منكم، ولكن لا ترونهم، كما قال تعالى :[ حتى إذا جاء أحدهم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ]
[ فلولا إن كنتم غير مدينين ] أي فهلا إن كنتم غير مجزيين بأعمالكم كما تزعمون
[ ترجعونها إن كنتم صادقين ] أي تردون روح هذا الميت إلى جسده، بعد ما بلغت الحلقوم، قال ابن عباس :[ غير مدينين ] أي غير محاسبين ولا مجزيين، قال الخازن : أجاب عن قوله :[ فلولا إذا بلغت الحلقوم ] وعن قوله :[ فلولا إن كنتم غير مدينين ] بجواب واحد وهو قوله :[ ترجعونها إن كنتم صادقين ] ومعنى الآية : إن كان الأمر كما تقولون، أنه لا بعث. ولا حساب، ولا إله يجازي، فهلا تردون نفس من يعز عليكم إذا بلغت الحلقوم ؟ وإذا لم يمكنكم ذلك فاعلموا أن الأمر إلى غيركم، وهو الله تعالى فآمنوا به.. ثم ذكر تعالى طبقات الناس عند الموت وعند البعث، وبنن درجاتهم في الآخرة، فقال سبحانه :
[ فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم ] أي فأما إن كان هذا الميت من المحسنين، السابقين بالدرجات العلا، فله عند ربه استراحة ورزق حسن، وجنة واسعة يتنعم فيها، قال القرطبي : والمراد بالمقربين السابقون المذكورون في أول السورة
[ وأما إن كان من أصحاب اليمين ] أي وأما إن كان المحتضر من السعداء أهل الجنة، الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم
[ فسلام لك من أصحاب اليمين ] أي فسلام لك يا محمد منهم، لأنهم في راحة وسعادة، ونعيم دائم
[ وأما إن كان من المكذبين الضالين ] أي وأما إن كان المحتضر من المنكرين للبعث، الضالين عن الهدى والحق
[ فنزل من حميم ] أي فضيافتهم التي يكرمون بها أول قدومهم، الحميم الذي يصهر البطون لشدة حرارته، قال في التسهيل : النزل أول شيء يقدم للضيف
[ وتصلية جحيم ] أي ولهم إصلاء بنار جهنم، وإذاقة لهم من حرها
[ إن هذا لهو حق اليقين ] أي إن هذا الذي قصصناه عليك يا محمد من جزاء (السابقين، والسعداء، والأشقياء)، لهو الحق الثابت، الذي لا شك فيه ولا ريب، وهو عين اليقين الذي لا يمكن انكاره
[ فسبح باسم ربك العظيم ] أي فنزه ربك عن النقص والسوء، وعما يصفه به الظالمون، ولما نزلت هذه الآية الكريمة قال النبى (ص) :" اجعلوها في ركوعكم، ولما نزلت [ سبح اسم ربك الأعلى ] قال (ص) : اجعلوها في سجودكم.
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - جناس الاشتقاق [ إذا وقعت الواقعة ] والجناس الناقص في قوله :[ روح وريحان ].
٢ - ا لطباق بين [ الميمنة.. والمشئمة ] وبين [ ا لأولين.. وا لأخرين ] وبين [ خافضة.. رافعة ] وفي إسناد الخفض والرفع إلى القيامة مجاز عقلي، لأن الخافض والرافع على الحقيقة هو الله وحده، يرفع أولياءه ويخفض أعداءه، ونسب إلى القيامة مجازا كقولهم " نهاره صائم ".
٣ - التشبيه المرسل المجمل [ وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون ] أي كأمثال اللؤلؤ في بياضه وصفائه، حذف منه وجه الشبه فهو مرسل مجمل.
٤ - التفخيم والتعظيم [ وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين ] كرره بطريق الاستفهام تفخيما.
٥ - التفنن بذكر أصحاب الميمنة، ثم بذكر أصحاب اليمين، وكذلك بذكر المشئمة، وذكر أصحاب الشمال [ وأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة ] [ وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين ].


الصفحة التالية
Icon