أ - روي أن " خولة بنت ثعلبة " امرأة " أوس بن الصامت " أراد زوجها مواقعتها يوما فأبت، فغضب وظاهر منها، فأتت رسول الله (ص) وقالت يا رسول الله : إن أوسا ظاهر مني بعد أن كبرت سني، ورق عظمي، وإن لي منه صبية صغارا، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلى جاعوا، فما ترى!! فقال لها :(ما أراك إلا قد حرمت عليه )، فقالت يا رسول الله : والله ما ذكر طلاقا وهو أبو ولدي، وأحب الناس إلى، فجعل رسول الله (ص) يعيد قوله :(ما أراك إلا قد حرمت عليه )، وهي تكرر قولها، فما زالت تراجعه حتى نزل قوله تعالى :[ قد سمع الله قول التى تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله.. ] الآيات.
ب - وروى البخاري عن عائشة أنها قالت : تبارك الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة - خولة بنت ثعلبة - فكلمت رسول الله (ص) وأنا في جانب البيت، أسمع كلامها ويخفى علن بعضه، وهي تشتكي زوجها وتقول يا رسول الله : أبلى شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سنى، وانقطع ولدي، ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآيات.
التفسير :
[ قد سمع الله قول التى تجادلك في زوجها ] " قد " لا تدخل إلا على الأفعال، وإذا دخلت على الماضي أفادت التحقيق، وإذا دخلت على المضارع أفادت التقليل كقولك : قد يجود البخيل، وقد ينزل المطر، والمعنى : حقا لقد سمع الله قول المرأة، التي تراجعك وتحاورك في شأن زوجها، قال الزمخشري : ومعنى سماعه تعالى لقولها إجابة دعائها، لا مجرد علمه تعالى بذلك، وهو كقول المصلي : سمع الله لمن حمده
[ وتشتكي إلى الله ] أي وتتضرع إلى الله تعالى في تفريج كربتها
[ والله يسمع تحاوركما ] أي والله جل وعلا يسمع حديثكما، ومراجعتكما الكلام، ماذا قالت لك، وماذا رددت عليها
[ إن الله سميع بصير ] أي سميع لمن يناجيه ويتضرع إليه، بصير بأعمال العباد، وهو كالتعليل لما قبله، وكلاهما من صيغ المبالغة أي مبالغ في العلم بالمسموعات والمبصرات.. ثم ذم تعالى الظهار وبين حكمه وجزاء فاعله، فقال سبحانه :
[ الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم ] أي الذين يقولون لنسائهم : أنتن كظهور أمهاتنا، يقصدون بذلك تحريمهن كتحريم أمهاتهن، لسن في الحقيقة أمهاتهم، وإنما هن زوجاتهم، قال الإمام الفخر : الظهار هو عبارة عن قول الرجل لامرأته : أنت على كظهر أمي، يقصد علوي عليك حرام، كعلوي على أمي، والعرب تقول في الطلاق : نزلت عن امرأتي أي طلقتها، فغرضهم من هذه اللفظة تحريم معاشرتها تشبيها بالأم وقوله :[ منكم ] توبيخ للعرب، وتهجين لعادتهم في الظهار، لأنه كان من أيمان اهل الجاهلية خاصة دون سائر الأمم
[ إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم ] أي ما أمهاتهم في الحقيقة، إلا الوالدات اللاتي ولدنهم من بطونهن، وفي المثل " ولدك من دمى عقبيك " وهو تأكيد لقوله :[ ما هن أمهاتهم ] زيادة في التوضيح والبيان
[ وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا ] أي والحال إن هؤلاء المظاهرين، ليقولون كلاما منكرا تنكره الحقيقة وينكره الشرع، وهو كذب وزور وبهتان