[ ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ] أي ذلك التفرق والتشتت، بسبب أنهم لا عقل لهم، يعقلون به أمر الله، فهم كالبهائم لا تتفق على حالة
[ كمثل الذين من قبلهم قريبا ] أي صفة بني النضير، فيما وقع لهم من الجلاء والذل، كصفة كفار مكة فيما وقع لهم يوم بدر من الهزيمة والأسر، قال البيضاوي : أي مثل اليهود كمثل أهل بدر، أو المهلكين من الأمم الماضية في زمان قريب
[ ذاقوا وبال أمرهم ] أي ذاقوا سوء عاقبة إجرامهم في الدنيا
[ ولهم عذاب أليم ] أي ولهم عذاب شديد موجع في الآخرة
[ كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر ] أي مثل المنافقين، في إغراء اليهود على القتال، كمثل الشيطان الذي أغرى الإنسان بالكفر، ثم تخلى عنه وخذله
[ فلما كفر قال إني بريء منك ] أي فلما كفر الإنسان تبرأ منه الشيطان وقال :
[ إني أخاف الله رب العالمين ] أي أخاف عذاب الله وانتقامه إن كفرت به، قال في التسهيل : هذا مثل، مثل الله به للمنافقين - الذين اغووا يهود بني النضير ثم خذلوهم بعد ذلك - بالشيطان الذي يغوي ابن آدم ثم يتبرأ منه، والمراد بالشيطان والإنسان هنا الجنس، وقول الشيطان [ إني أخاف الله ] كذب منه ورياء لأنه لو خاف الله، لامتثل أمره وما عصاه !! (( قال ابن كثير : أي مثل هؤلاء اليهود فى اغترارهم بالذين وعدوهم النصر من المنافقين، كمثل الشيطان إذ سول للإنسان الكفر ثم تبرأ منه وتنصل وقال إني أخاف الله رب العالمين )).
[ فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها ] أي فكان عاقبة المنافقين واليهود، مثل عاقبة الشيطان والإنسان، حيث صارا إلى النار المؤبدة
[ وذلك جزاء الظالمين ] أي وذلك عقاب كل ظالم فاجر، منتهك حرمات الله والدين.. ولما ذكر صفات كل من المنافقين واليهود، وضرب لهم الأمثال، وعظ المؤمنين بموعظة حسنة، تحذيرا من أن يكونوا مثل من تقدم ذكرهم، فقال سبحانه :
[ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ] أي خافوا الله واحذروا عقابه، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه
[ ولتنظر نفس ما قدمت لغد ] أي ولتنظر كل نفس، ما قدمت من الأعمال الصالحة ليوم القيامة، قال ابن كثير : انظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة، ليوم معادكم وعرضكم على ربكم، وسمي يوم القيامة (غدا) لقرب مجيئه كما قال سبحانه [ وما أمر الساعة إلا كلمح البصر ] والتنكير فيه للتفخيم والتهويل
[ واتقوا الله ] كرره للتأكيد ولبيان منزلة التقوى، التي هي وصية الله تعالى للأولين والآخرين [ ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ]
[ إن الله خبير بما تعملون ] أي مطلع على أعمالكم فيجازيكم عليها
[ ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ] أي ولا تكونوا يا معشر المؤمنين، كالذين تركوا ذكر الله ومراقبته وطاعته، فأنساهم حقوق أنفسهم، والنظر لها بما يصلحها، قال أبو حيان : وهذا من المجازاة على الذنب بالذنب، تركوا عبادة الله وامتثال أوامره، فعوقبوا على ذلك بأن أنساهم حظ أنفسهم، حتى لم يقدموا لها خيرا ينفعها
[ أولئك هم الفاسقون ] أي اولئك هم الفجرة الخارجون عن طاعة الله
[ لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة ] أي لا يتساوى يوم القيامة الأشقياء والسعداء، (أهل النار) و(أهل الجنة)، في الفضل والرتبة
[ أصحاب الجنة هم الفائزون ] أي أصحاب الجنة هم الفائزون بالسعادة الأبدية في دار النعيم، وذلك هو الفوز العظيم.. ثم ذكر تعالى روعة القرآن، وتأثيره على الصم الراسيات من الجبال، وذلك بضرب مثل! رائع، يجعل الجبل الأصم يتأثر ويتصدع لجلال عظمة القرآن، فكيف لا يتأثر به الإنسان ؟ فقال سبحانه :