[ كما يئس الكفار من أصحاب القبور ] أي كما يئس الكفار المكذبون بالبعث والنشور، من أمواتهم أن يعودوا إلى الحياة مرة ثانية، بعد أن يموتوا، فقد كانوا يقولون إذا مات لهم قريب أو صديق : هذا آخر العهد به، ولن يبعث أبدا (( هذا هو الراجح في تفسير الآية الكريمة وهو خلاصة قول ابن عباس وقتادة والحسن، وقال مجاهد معناه أنهم يئسوا من نعيم الآخرة كما يئس الكفار الذين هم في القبور من كل خير، والأول أظهر والله أعلم )) ختم تعالى السورة الكريمة بمثل ما فتحها به، وهو النهي عن موالاة الكفار أعداء الله، وهو بمثابة التأكيد للكلام، وتناسق الآيات في البدء والختام، وهو من روعة البلاغة بمكان !!
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البديع والبيان نوجزها فيما يلي :
١ - الطباق في قوله [ وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ] لأن الإخفاء يطابق الإعلان، والطباق : أن يؤتى باللفظ وما يقابله من ضده، مثل [ وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ] ومثل [ أضحك وأبكى ] و[ أمات وأحيا ] وأمثال ذلك.
٢ - العتاب والتوبيخ [ تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم.. ] الآية.
٣ - تقديم ما حقه التأخير لإفادة الصيغة للحصر [ ربنا عليك توكلنا، وإليك أنبنا، وإليك المصير ]، والأصل توكلنا عليك، وأنبنا إليك.. إلخ.
٤ - صيغة المبالغة [ قدير، غفور، رحيم ] وهو كثير في القرآن ومثله [ عليم حكيم ].
٥ - طباق السلب [ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم ] ثم قال [ إنما ينهاكم الله.. ] الآية.
٦ - الجملة الاعتراضية [ الله أعلم بإيمانهن ] للاشارة إلى أن للإنسان الظاهر، والله يتولى السرائر.
٧ - العكس والتبديل [ لا هن حل لهم، ولا هم يحلون لهن ] وهو من أنواع البديع.
٨ - الكناية اللطيفة [ ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ] كنى بذلك عن اللقيط، وهي من لطائف الكنايات.
٩ - التشبيه المرسل المجمل [ قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ] كما أن فيه من المحسنات البديعية ما يسمى رد العجز على الصدر، حيث ختم السورة بمثل ما ابتدأها ليتناسق البدء مع الختام.