[ لعلكم تفلحون ] أي كي تفوزوا بخير الدارين، قال سعيد بن جبير : ذكر الله طاعته، فمن أطاع الله فقد ذكره، ومن لم يطعه فليس بذاكر، ولو كان كثير التسبيح.. ثم أخبر تعالى أن فريقا من الناس يؤثرون الدنيا الفانية، على الآخرة الباقية، ويفضلون العاجل على الآجل، فقال سبحانه :
[ وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ] هذا عتاب لبعض الصحابة الذين انصرفوا عن رسول الله (ص) وتركوه قائما يخطب يوم الجمعة، والمعنى : إذا سمعوا بتجارة رابحة، أو صفقة قادمة، أو شيء من لهو الدنيا وزينتها، تفرقوا عنك يا محمد وانصرقوا إليها، وأعاد الضمير إلى التجارة دون اللهو [ انفضوا إليها ] لأنها الأهم المقصود
[ وتركوك قائما ] أي وتركوا الرسول قائما على المنبر يخطب، قال المفسرون : كان رسول الله (ص) قائما على المنير يخطب يوم الجمعة، فأقبلت عير من الشام بطعام، قدم بها " دحية الكلبي " - وكان أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر - وكانت عادتهم أن تدخل العير المدينة بالطبل والصياح سرورا بها، فلما دخلت العير كذلك، انفض أهل المسجد إليها، وتركوا رسول الله (ص) وقائما على المنبر، ولم يبق معه إلا اثني عشر رجلا، قال جابر بن عبد الله : أنا أحدهم فنزلت الآية قال ابن كثير : وينبغي أن يعلم أن هذه القصة، كانت لما كان رسول الله (ص) يقدم الصلاة يوم الجمعة على الخطبة، كما هو الحال في العيدين، كما روى ذلك أبو داود (( مختصر تفسير ابن كثير، وما قاله هو الحق، فإن من المستحيل أن يترك بعض الصحابة صلاة الجمعة، من أجل تجارة الدنيا، وإنما كانوا قد أدوا الصلاة مع رسول الله (ص)، ثم لما سمعوا الطبول وقدوم العير، خرجوا من المسجد " وتركوا الرسول (ص) قائما على المنبر يخطب ! )).
[ قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة ] أي قل لهم يا محمد : إن ما عند الله من الثواب والنعيم، خير مما أصبتموه من اللهو والتجارة
[ والله خير الرازقين ] أي خير من رزق وأعطى، فاطلبوا منه الرزق، وبه استعينوا لنيل فضله وإنعامه.
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - التشبيه التمثيلي [ مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا ] لأن وجه الشبه منتزع من متعدد، أي مثلهم في عدم الانتفاع بالتوراة، كمثل الحمار الذي يحمل على ظهره الكتب العظيمة، ولا يكون له منها إلا النصب والعناء.
٢ - طباق السلب [ فتمنوا الموت.. ولا يتمنونه أبدا ].
٣ - الطباق بين [ الغيب والشهادة ] وهو من المحسنات البديعية.
٤ - التفنن بتقديم الأهم في الذكر [ وإذا رأوا تجارة أو لهوا ] لأن المقصود الأساسي هو التجارة، فقدمها، ثم قال :[ قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة ] فقدم اللهو على التجارة، لأن الخسارة بما لا ينفع فيه أعظم، وهو اللهو، فقدم ما هو أهم في الموضعين
٥ - المجاز المرسل [ وذروا البيع ] أطلق البيع وقصد جميع أنواع المعاملة من بيع وشراء وإجارة وغيرها.
تنبيه :
يوم الجمعة سمي بذلك لاجتماع المسلمين فيه للصلاة، وقد كان يسمى في الجاهلية " يوم العروبة " ومعناه الرحمة كما قال السهيلي، واول من سماه جمعة (كعب بن لؤي ) وأول من صلى بالمسلمين الجمعة (أسعد بن زرارة) صلى بهم ركعتين وذكرهم، فسميت الجمعة حين اجتمعوا إليه، فهي أول جمعة في الإسلام.
فائدة :
كان " عراك بن مالك " إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال :" اللهم إني أجبت دعوتك، وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين ".
لطيفة :


الصفحة التالية
Icon