[ فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين ] أي فإن أعرضتم عن إجابة الرسول، فيما دعاكم إليه من الهداية والإيمان، فليس عليه ضرر، إنما ضرر ذلك عليكم، إذ ليس على الرسول إلا تبليغ الرسالة، وقد أدى ما عليه، والله ينتقم ممن عصاه وخالف أمره
[ الله لا اله إلا هو ] أي الله جل وعلا هو الإله المعبود بحق، لا معبود سواه، ولا خالق غيره، عليه الاعتماد وإليه المرجع والمآب
[ وعلى الله فليتوكل المؤمنون ] أي فعليه وحده توكلوا أيها المؤمنون في جميع أموركم، قال الصاوي : وهو تحريض وحث للنبي (ص) على التوكل على الله، والالتجاء إليه، وفيه تعليم للأمة ذلك، بأن يلتجئوا إلى الله، ويثقوا بنصره وتأييده
[ يا أيها الذين آمنوا أن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ] أي يا معشر المؤمنين إن بعض الزوجات والأولاد أعداء لكم، يصدونكم عن سبيل الله، ويثبطونكم عن طاعة الله، فاحذروا أن تستجببوا لهم وتطيعوهم، قال المفسرون : إن قوما أسلموا وأرادوا الهجرة، فثبطهم أزواجهم وأولادهم عن الهجرة، فلم يهاجروا إلا بعد مدة، فلما أتوا رسول الله (ص) رأوا الناس قد فقهوا في الدين، فندموا وأسفوا، وهموا بمعاقبة أزواجهم وأولادهم، فنزلت الآية الكريمة، والآية تعم كل من انشغل عن طاعة الله بالأزواج والأولاد
[ وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا ] أي وإن عفوتم عنهم في تثبيطكم عن الخير، وصفحتم عما صدر منهم، وغفرتم لهم زلاتهم
[ فإن الله غفور رحيم ] أي فإن الله واسع غلمغفرة، عظيم الرحمة، يعاملكم بمثل ما عاملتم
[ إنما أموالكم وأولادكم فتنة ] أي ليست الأموال والأولاد، إلا اختبارا وابتلاء من الله تعالى لخلقه، ليعلم من يطيعه ومن يعصيه، وقدم المال لأن فتنته أشد
[ والله عنده أجر عظيم ] أي وما عند الله من الأجر والثواب، أعظم من متاع الدنيا، فلا تشغلكم الأموال والأولاد عن طاعة الله، والآية ترغيب في الآخرة وتزهيد في الدنيا، وفي الأموال والأولاد التي فتن الناس بها
[ فاتقوا الله ما استطعتم ] أي ابذلوا أيها المؤمنون في طاعة الله جهدكم وطاقتكم، ولا تكلفوا أنفسكم ما لا تطيقون، قال المفسرون : هذا في النوافل، والمأمورات وفضائل الأعمال، يأتي الإنسان منها بقدر طاقته، وأما في المحظورات فلابد من اجتنابها بالكلية، ويدل عليه ما روي عن النبي (ص)، أنه قال :(إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه )
[ واسمعوا وأطيعوا ] أي واسمعوا ما توعظون به، وأطيعوا فيما تؤمرون به وتنهون عنه
[ وأنفقوا خيرا لأنفسكم ] أي وأنفقوا في سبيل الله من أموالكم، يكن خيرا لأنفسكم
[ ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ] أى ومن سلم من البخل والطمع، الذي تدعو إليه النفس، فقد فاز بكل مطلوب
[ إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ] أي إذا تصدقتم في سبيل الله عن طيب نفس، فإن الله يضاعف لكم الأجر والثواب، وفي تصوير الصدقة بصورة القرض تلطف بليغ في الإحسان إلى الفقراء
[ ويغفر لكم ] أي ويمح عنكم سيئاتكم
[ والله شكور حليم ] أي شاكر للمحسن إحسانه، حليم بالعباد حيث لا يعاجلهم بالعقوبة مع كثرة ذنوبهم
[ عالم الغيب والشهادة ] أي هو تعالى العالم بما غاب وحضر، لا تخفى عليه خافية
[ العزيز الحكيم ] أي الغالب في ملكه الحكيم في صنعه.
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - الطباق في الاسم مثل [ فمنكم كافر ومنكم مؤمن، وكذلك بين [ الغيب والشهادة ] والطباق في الفعل مثل [ تسرون ] و[ تعلنون ] وهو من المحسنات البديعية.
٢ - تقديم الجار والمجرور لإفادة الحصر [ له الملك وله الحمد ] أي له وحده الملك والحمد.


الصفحة التالية
Icon