[ ولا بقول كاهن ] أي وليس هو بقول كاهن يدعى معرفة الغيب، لأن القرآن يغاير بأسلوبه سجع الكهان
[ قليلا ما تذكرون ] أي قلما تتذكرون وتتعظون
[ تنزيل من رب العالمين ] أي هو تنزيل من رب العزة جل وعلا، كقوله تعالى [ وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذربن بلسان عربى مبين ] والغرض من الآية تبرئة الرسول (ص)مما نسبه إليه المشركون، من دعوى السحر والكهانة، ثم أكد ذلك بأعظم برهان، على أن القرآن من عند الرحمن، فقال سبحانه
[ ولو تقول علينا بعض الأقاويل ] أي لو اختلق محمد بعض الأقوال، ونسب إلينا ما لم نقله
[ لأخذنا منه باليمين ] أي لانتقمنا منه بقوتنا وقدرتنا
[ ثم لقطعنا منه الوتين ] أي ثم لقطعنا نياط قلبه حتى يموت، قال القرطبى : والوتين عرق يتعلق به القلب، إذا انقطع مات صاحبه والغرض إنه تعالى يعاجله بالعقوبة ولا يمهله، لو نسب إلى الله شيئا ولو قليلا، فإن تسمية الأقوال بالأقاويل للتصغير والتحقير
[ فما منكم من أحد عنه حاجزين ] أي فما يقدر أحد منكم أن يحجز بيننا وبينه، لو أردنا حينئذ عقوبته، ولا أن يدفع عنه عذابنا، قال الخازن : المعنى إن محمدا لا يتكلم الكذب علينا لأجلكم، مع علمه إنه لو تكلم لعاقبناه، ولا يقدر أحد على دفع عقوبتنا عنه
[ وإنه لتذكرة للمتقين ] أي وأن هذا القرآن لعظة للمؤمنين المتقين، الذين يخشون الله، وخص المتقين بالذكر لأنهم المنتفعون به
[ وإنا لنعلم أن منكم مكذبين ] أي ونحن نعلم أن منكم من يكذب بهذا القرآن، مع وضوح آياته، ويزعم أنه أساطير الأولين ! ! وفي الآية وعيد لمن كذب بالقرآن
[ وإنه لحسرة على الكافرين ] أي وإنه لحسرة على الكفرة فى آلاخرة، لأنهم يتأسفون إذا رأوا ثواب من آمن به
[ وإنه لحق اليقين ] أي وإنه لحق يقين لا يحوم حوله ريب، ولا شك عاقل أنه كلام رب العالمين
[ فسبح باسم ربك العظيم ] أي فنزه ربك العظيم عن السوء والنقائص، واشكره على ما أعطاك من النعم العظيمة، التى من أعظمها نعمة القرآن، وختم تعالى السورة بتعظيم شأن القرآن، وتسبيح وتمجيد الرحمن، لأنه الهدف الأساسى من هذه السورة الكريمة، ردا على السفهاء المجرمين، الذين زعموا أن القرآن من أساطير الأولين ! !
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من الفصاحة والبيان نوجزها فيما يلى :
١ - الإطناب بتكرار الاسم للتهويل والتعظيم [ الحاقة ما الحاقة ] إلخ.
٢ - التفصيل بعد الإجمال زيادة في البيان [ كذبت ثمود وعاد بالقارعة ] ثم فصله بقوله [ فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية. وأما عاد ] الآية وفيه لفت ونشر مرتب، وهو من المحسنات البديعية.
٣ - التشبيه المرسل المجمل [ كأنهم أعجاز نخل خاوية ] ذكرت الأداة وحذف وجه الشبه، فصار مجملا.
٤ - الاستعارة اللطيفة الفائقة [ إنا لما طغي الماء ] الطغيان من صفات الإنسان، فشبه ارتفاع الماء وكثرته، بطغيان الإنسان، بطريق الاستعارة التبعية.
٥ - جناس الاشتقاق مثل [ وقعت الواقعة ] ومثل [ لا تخفى منكم خافية ].
٦ - المقابلة البديعية [ فأما من أوتى كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه ] قابلها بقوله [ وأما من أوتى كتابه بشماله.. ] إلخ وهي من المحسنات البديعية.
٧ - طباق السلب [ فلا أقسم بما تبصرون.. وما لا تبصرون ].
٨ - الكناية [ لأخذنا منه باليمين ] لفظ اليمين كناية عن القوة والقدرة.
٩ - توافق الفواصل مراعاة لرءوس الآيات مثل [ فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية ] ومثل [ خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ] ويسمى فى علم البديع (السجع المرصع ) والله أعلم.
تنبيه :


الصفحة التالية
Icon