[ قال يا قوم إني لكم نذير مبين ] أي فدعاهم إلى الله وقال لهم : إني لكم منذر، موضح لحقيقة الأمر، أنذركم وأخوفكم عذاب الله، فأمري واضح ودعوتي ظاهرة، قال المفسرون : نوح عليه السلام أول نبى أرسل، ويقال له : شيخ المرسلين، لأنه أطولهم عمرا فقد مكث في قومه كما قص القرآن الكريم [ ألف سنة إلا خمسين عاما ] يدعوهم إلى الله، ومع طول هذه المدة لم يؤمن معه إلا قليل، وقد أفرد القرآن قصته في هذه السورة الكريمة التى تسمى " سورة نوح " من بدء الدعوة إلى نهايتها، حيث أهلك الله قومه بالطوفان، وهو أحد الرسل الكبار من أولي العزم وهم خمسة (نوح، إبراهيم، موسى، عيسى، محمد) صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وقد شاع الكفر في زمانه وذاع، واشتهر قومه بعبادة الأوثان، وأكثروا من البغى والظلم والعصيان، فبعث الله لهم نوحا عليه السلام، وكان من خبرهم مع نبيهم ما قصه الله علينا في القرآن
[ أن أعبدوا الله واتقوه وأطيعون ] أي فقال لهم : اعبدوا الله وحده، واتركوا محارمه، واجتنبوا مآثمه، وأطيعونى فيما أمرتكم به من طاعة الله، وترك عبادة الأوثان والأصنام
[ يغفر لكم من ذنوبكم ] أي إنكم إن فعلتم ما أمرتكم به، يمحو الله عنكم ذنوبكم التى اقترفتموها، وإنما قال [ من ذنوبكم ] أي بعض ذنوبكم التى حصلت قبل الإسلام، لأن الإيمان يجب ما قبله من الذنوب، لا ما بعده (( هذا ما رجحه أبو حيان في البحر، واختار الطبري أن " من " ليست للتبعيض وإنما هي بمعنى " عن " أي يغفر لكم عن ذنوبكم بمعنى يغفر لكم جميع الذنوب، والأول أرجح، لأن " من " فى الأصل للتبعيض، فلا حاجة إلى صرفها عن الأصل، والله أعلم )).
[ ويؤخركم إلى أجل مسمى ] أي ويمد في أعماركم إن أطعتم ربكم، إلى وقت مقدر ومقرر فى علم الله تعالى، مع التمتع بالحياة السعيدة، والعيش الرغيد، قال المفسرون : المراد بتأخير الأجل هو التأخير بلا عذاب، أي يمهلهم في الدنيا بدون عذاب إلى انتهاء آجالهم، وأما العمر فهو محدود لا يتقدم ولا يتأخر [ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ] ولهذا قال بعده
[ إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ] أي إن عمر الإنسان عند الله محدود، لا يزيد ولا ينقص، وإنما أضيف الأجل إلى الله سبحانه، لأنه هو الذي كتبه واثبته
[ لو كنتم تعلمون ] أي لو كنتم تعلمون ذلك لسارعتم إلى الإيمان
[ قال رب إنى دعوت قومى ليلا ونهارا ] أي قال نوح بعد أن بذل غاية الجهد، وضاقت عليه الحيل : يا رب إني دعوت قومي إلى الإيمان والطاعة، فى الليل والنهار، من غير فتور ولا توان
[ فلم يزدهم دعاءي إلا فرارا ] أي فلم يزدهم دعائى لهم إلى الإيمان، إلا هربا، وشرودا عن الحق، وإعراضا عنه.. ثم وصف نفورهم وصور إعراضهم أبلغ تصوير فقال
[ وإنى كلما دعوتهم لتغفر لهم ] أي كلما دعوتهم إلى الإقرار بوحدانية الله، والعمل بطاعته، ليكون سببا في مغفرة ذنوبهم، قال فى التسهيل : ذكر المغفرة التي هى سبب عن الإيمان، ليظهر قبح إعراضهم عنه، فإنهم أعرضوا عن سعادتهم
[ جعلوا أصابعهم فى آذانهم ] أي سدوا آذانهم لئلا يسمعوا دعوتى
[ واستغشوا ثيابهم ] أي غطوا رءوسهم ووجوهم بثيابهم، لئلا يسمعوا كلامي أو يروني، قال في البحر : والظاهر أن ذلك حقيقة، سدوا مسامعهم حتى لا يسمعوا ما دعاهم إليه، وتغطوا بثيابهم حتى لا ينظروا إليه، كراهة وبغضا من سماع النصح ورؤية الناصح، ويجوز أن يكون ذلك (كناية) عن المبالغة فى إعراضهم عما دعاهم إليه، فهم بمنزلة من سد سمعه، ومنع بصره
[ وأصروا واستكبروا استكبارا ] أي واستمروا على الكفر والطغيان، واستكبروا عن الإيمان استكبارا عظيما، وفيه إشارة إلى فرط عنادهم، وغلوهم في الضلال