[ لتسلكوا منها سبلا فجاجا ] أي لتسلكوا في الأرض طرقا واسعة فى أسفاركم، وتنقلكم فى أرجائها.. ولما أصروا على العصيان، وقابلوه بأقبح الأقوال والأفعال، حكى تعالى عنهم ما قصه القرآن
[ قال نوح رب إنهم عصونى ] أي إنهم بالغوا في تكذيبى وعصيان أمري
[ واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ] أي واتبعوا أغنيائهم ورؤساءهم، الذين أبطرتهم الأموال والأولاد، فهلكوا وخسروا سعادة الدارين، فصاروا إسوة لهم فى الخسار
[ ومكروا مكرا كبارا ] أي ومكر بهم الرؤساء مكرا عظيما متناهيا في الكبر، قال الألوسي :[ وكبارا ] مبالغة فى الكبر اي كبيرا فى الغاية، وذلك احتيالهم في الدين، وصدهم الناس عنه، وإغراؤهم وتحريضهم على أذية نوح عليه السلام،
[ وقالوا لا تذرن آلهتكم ] أي لا تتركوا عبادة الأوثان والأصنام، وتعبدوا رب نوح
[ ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا ] أي ولا تتركوا - على وجه الخصوص - هذه الأصنام الخمسة - " ودا، وسواعا، ويغوث، ويعوق، ونسرا) قال الصاوي : وهذه أسماء أصنام كانوا يعبدونها، وكانت أكبر أصنامهم وأعظمها عندهم، ولذا خصوها بالذكر، وهذا من شدة كفرهم، وفرط تعنتهم فى المكر والاحتيال، فقد كانوا يلبسون ثوب الناصح المخلص، ويسلكون فى تثبيت الضعفاء على عبادة الآباء، شتى الأساليب في المكر والخداع
[ وقد أضلوا كثيرا ] أي وقد أضل كبراؤهم خلقا وناسا كثيرين، بما زينوا لهما من طرق الغواية والضلال، ثم دعا عليهم نوح عليه السلام بالضلال، فقال
[ ولا تزد الظالمين إلا ضلالا ] أي ولا تزدهم يا رب على طغيانهم وعدوانهم، إلا ضلالا فوق ضلالهم، قال المفسرون : دعا عليهم لما يئس من إيمانهم، باخبار الله له بقوله [ لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ] فاستجاب الله دعاءه وأغرقهم، ولهذا قال تعالى
[ مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا ] أي من أجل ذنوبهم وإجرامهم، وإصرارهم على الكفر والطغيان، أغرقوا بالطوفان وأدخلوا النيران، قال في التسهيل : وهذا من كلام الله تعالى إخبارا عن أمرهم، و[ ما ] فى [ مما ] زائدة للتأكيد، وإنما قدم هذا المجرور للتأكيد أيضا، ليبين أن إغراقهم وإدخالهم النار، إنما كان بسبب خطاياهم، وهى الكفر وسائر المعاصى
[ فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ] أي لم يجدوا من ينصرهم أو يدفع عنهم عذاب الله، قال أبو السعود : وفيه تعريض باتخاذهم آلهة من دون الله تعالى، وأنها غير قادرة على نصرهم، وتهكم بهم
[ وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ] أي لا تترك أحدا على وجه الأرض من الكافرين، قال فى التسهيل : و[ ديار ] من الأسماء المستعملة في النفى العام، يقال : ما فى الدار ديار، أي ما فيها أحد.. ثم علل ذلك بقوله
[ إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ] أي إنك إن أبقيت منهم أحدا، أضلوا عبادك عن طريق الهدى
[ ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ] أي ولا يأتى من أصلابهم إلا كل فاجر وكافر، قال الإمام الفخر : فإن قيل : كيف عرف نوح ذلك ؟ قلنا : بالاستقراء، فإنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، فعرف طباعهم وجربهم، وكان الرجل ينطلق بابنه إليه ويقول : يا بنى احذر هذا فإنه كذاب، وإن أبى أوصانى بمثل هذه الوصية، فيموت الكبير وينشأ الصغير على ذلك، فلذلك قال [ ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ].. ولما دعا نوح على الكفار، أعقبه بالدعاء للمؤمنين الأبرار، فقال
[ رب اغفر لى ولوالدى ولمن دخل بيتى مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ] بدأ بنفسه ثم بأبويه، ثم عمم لجميع المؤمنين والمؤمنات، ليكون ذلك أبلغ وأجمع