[ أم يجعل له ربي أمدا ] أي أم هو بعيد له مدة طويلة وأجل محدود ؟ قال المفسرون : كان (ص) كلما خوف المكذبين نار جهنم، وحذرهم أهوال الساعة، أظهروا الاستخفاف بقوله، وسألوه متى هذا العذاب ؟ ومتى تقوم هذه الساعة ؟ فأمره تعالى أن يقول لهم : لا أدري وقت ذلك، هل هو قريب أم بعيد ؟
[ عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ] أي هو جل وعلا عالم بما غاب عن الأبصار، وخفي عن الأنظار، فلا يطلع على غيبه أحدا من خلقه
[ إلا من ارتضى من رسول ] أي إلا من اختاره الله وارتضاه لرسالته ونبوته، فيظهره الله على ما يشاء من الغيب، قال المفسرون : لا يطلع الله على غيبه أحدا إلا بعض الرسل، فإنه يطلعهم على بعض الغيب، ليكون معجزة لهم، فإن الرسل مؤيدون بالمعجزات، ومنها الإخبار عن بعض الغيبيات، كما قال عن عيسى [ وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ]
[ فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ] أي فإنه تعالى يرسل من أمام الرسول ومن خلفه، ملائكة وحرسا يحفظونه من الجن ويحرسونه في ضبط ما يلقيه تعالى إليه من علم الغيب قال الطبري : أي فإنه تعالى يرسل من أمامه ومن خلفه حرسا وحفظة، يحفظونه من الجن)
[ ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ] أي ليعلم الله - علم ظهور فإنه تعالى عالم بما كان وما يكون - أن رسله الكرام قد بلغوا عنه وحيه، كما أوحاه إليهم محفوظا من الزيادة والنقصان، قال ابن كثير : المعنى : أن الله يحفظ رسله بملائكته ليتمكنوا من آداء رسالاته، ويحفظ ما ينزله إليهم من الوحي، ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم، مع العلم بأنه تعالى يعلم الأشياء قبل كونها قطعا لا محالة (( قال المفسرون : ما جاء في القرآن من تعليل لعلم الله كقوله :﴿إلا لنعلم من يتبع الرسول ﴾ وقوله :﴿وليعلم الله الذين آمنوا ويتخد منكم شهداء﴾ فإنما هو علم ظهور لا علم بداء، فإنه تعالى عالم بالأشياء أزلا وإنما يظهر علمه لعباده، فيكشف لهم المستور، والله جل وعلا عالم بالأمور قبل حدوثها ))
[ وأحاط بما لديهم ] أي أحاط علمه بما عند الرسل، فلا يخفى عليه شيء من أمورهم
[ وأحصى كل شيء عددا ] أي علم تعالى علم ضبط واستقصاء جميع الأشياء، المنبثة في الأرضين والسموات، من القطر، والرمل، وورق الأشجار، وزبد البحار، فلا يغيب عنه شيء، ولا يخفى عليه أمر، فكيف لا يحيط علما بما عند رسله من رسالاته ووحيه، التي أمرهم بتبليغها إلى خلقه ؟ وكيف يمكن لرسله أن يفرطوا في تلك الرسالات، أو يزيدوا أو ينقصوا، أو يحرفوا فيها أو يغيروا، وهو تعالى محيط بها، محص لجميع الأشياء جليلها وحقيرها ؟ كما قال سبحانه [ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ]، فعلمه تعالى محيط بكل ما في الكون !
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البلاغة والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - الوصف بالمصدر للمبالغة [ قرأنا عجبا ] أي عجيبا فى حسن إيجازه، وروعة إعجازه.
٢ - طباق السلب [ فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ] لأن الإيمان نفي للشرك.
٣ - جناس الاشتقاق [ نقعد منها مقاعد للسمع ] لما بين اللفظتين من الاشتقاق اللطيف.
٤ - الأسلوب الرفيع بنسبة الخير إلى الله، دون الشر أدبا مع الخالق [ وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ] ؟ وبين لفظ " الشر " و " الرشد " طباق في المعنى.
٥ - الطباق بين [ الإنس.. والجن ] وبين [ ضرا.. ورشدا ] وبين [ المسلمون والقاسطون ].
٦ - الاستعارة اللطيفة [ كنا طرائق قددا ] استعار الطرائق للمذاهب المختلفة، وهذا من لطيف الاستعارة.


الصفحة التالية
Icon