[ ما سلككم في سقر ] ؟ ما الذي أدخلكم جهنم، وجعلكم تذوقون سعيرها ؟ قال في البحر : وسؤالهم سؤال توبيخ لهم وتحقير، وإلا فهم عالمون ما الذي أدخلهم النار،
[ قالوا لم نك من المصلين ] أي قال المجرمون مجيبين للسائلين : لم نكن من المصلين في الدنيا لرب العالمين
[ ولم نك نطعم المسكين ] أي ولم نكن نتصدق ونحسن إلى الفقراء والمساكين، قال ابن كثير : مرادهم في الآيتين : ما عبدنا ربنا، ولا أحسنا إلى خلقه من جنسنا
[ وكنا نخوض مع الخائضين ] أي وكنا نتحدث بالباطل مع أهل الغواية والضلالة، ونقع معهم فيما لا ينبغى من الأباطيل، قال في التسهيل : والخوض هو كثرة الكلام بما لا ينبغي من الباطل وشبهه
[ وكنا نكذب بيوم الدين ] أي نكذب بيوم القيامة، وبالجزاء والمعاد، وإنما أخر التكذيب بيوم الدين تعظيما له، لأنه أعظم جرائمهم وأفحشها
[ حتى أتانا اليقين ] أي حتى جاءنا الموت ونحن في تلك المنكرات والضلالات، قال تعالى معقبا على اعترافهم بتلك الجرائم :
[ فما تنفعهم شفاعة الشافعين ] أي ليس لهم شافع ينقذهم من عذاب الله، ولو شفع لهم أهل الأرض، ما قبلت شفاعتهم فيهم، قال ابن كثير : من كان متصفا بمثل هذه الصفات، فإنه لا تنفعه يوم القيامة شفاعة شافع فيه، لأن الشفاعة إنما تنجح، إذا كان المحل قابلا، فأما من وافى الله كافرا، فإنه مخلد في النار أبدا.. ولما ذكر تعالى قبائحهم وشنائعهم عاد بالتوبيخ والتقريع عليهم فقال :
[ فما لهم عن التذكرة معرضين ] ؟ فما لهؤلاء المشركين معرضين عن القرآن وآياته، وما فيه من المواعظ البليغة والنصائح والإرشادات ؟
[ كأنهم حمر مستنفرة ] أي كأن هؤلاء الكفار حمر وحشية نافرة وشاردة
[ فرت من قسورة ] أي هربت ونفرت من الأسد من شدة الفزع، قال في البحر : شبههم تعالى بالحمر النافرة مذمة لهم وتوبيخا وقال ابن عباس : الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت، كذلك هؤلاء المشركون إذا رآوا محمدا (ص)، هربوا منه كما يهرب الحمار من الأسد، ثم قال : والقسورة : الأسد
[ بل يريد كل امرىء منهم أن يؤتى صحفا منشرة ] أي بل يطمع كل واحد من هؤلاء المجرمين، أن ينزل عليه كتاب من الله، كما أنزل على محمد (ص) ؟ ويريد أن يتنزل عليه الوحي كما تنزل على الرسل والأنبياء ؟ والغرض من الآية بيان إمعانهم في الضلالة، وكأنه يقول : دع عنك ذكر إعراضهم وغباوتهم، ونفارهم نفار العجماوات، مما فيه خيرهم وسعادتهم، واستمع لما هو أعجب وأغرب، وذلك طمع كل فرد منهم، أن يكون رسولا يوحى إليه، وهيهات أن يصل الأشقياء إلى مراتب الأنبياء، ثم قال تعالى :
[ كلا بل لا يخافون الأخرة ] أي ليرتدعوا وينزجروا عن مثل ذلك الطمع، بل الحقيقة أنهم قوم لا يصدقون بالبعث والحساب، ولا يؤمنون بالنعيم والعذاب، وهذا هو الذي أفسدهم وجعلهم يعرضون عن مواعظ القرآن
[ كلا إنه تذكرة ] كرر الردع والزجر لهم بقوله [ كلا ] ثم قال [ إنه تذكرة ] أي إن هذا القرآن موعظة بليغة، كافية لإتعاظهم، لو أرادوا لأنفسهم السعادة
[ فمن شاء ذكره ] أي فمن شاء اتعظ بما فيه، وانتفع بهداه
[ وما يذكرون إلا أن يشاء الله ] أي وما يتعظون به إلا أن يشاء الله لهم الهدى، فيتذكروا ويتعظوا، وفيه تسلية للنبي (ص)، وترويح عن قلبه الشريف، مما كان يخامره من إعراضهم وتكذيبهم له