[ أولى لك فأولى ] أي ويل لك يا أيها الشقي ثم ويل لك، قال المفسرون : هذه العبارة في لغة العرب، ذهبت مذهب المثل في التخويف والتهديد، وأصلها أنها أفعل تفضيل من وليه الشئ إذا قاربه ودنا منه أي وليك الشر وأوشك أن يصيبك، فاحذر وانتبه لأمرك... روي أن النبي (ص)أخذ بيد أبي جهل ثم قال له :[ أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى ] فقال أبو جهل : اتتوعدني يا محمد وتهددني ؟ والله لا تستطيع أنت وربك أن تفعلا بي شيئا، والله إنى لأعز أهل الوادي، ثم لم يلبث أن قتل ببدر شر قتلة
[ ثم أولى لك فأولى ] كرره مبالغة في التهديد والوعيد، كأنه يقول : إني أكرر عليك التحذير والتخويف، فاحذر وانتبه لنفسك، قبل نزول العقوبة بك.. ولما ذكر في أول السورة إمكان البعث، ذكر في آخر السورة الأدلة على البعث والنشور فقال سبحانه :
[ أيحسب الإنسان أن يترك سدى ] ؟ أي أفيظن الإنسان الكافر أن يترك هملا، من غير بعث ولا حساب ولا جزاء ؟ وبدون تكليف بحيث يبقى كالبهائم المرسلة ؟ لا ينبغي له ولا يليق به هذا الحسبان
[ ألم يك نطفة من مني يمنى ] الاستفهام للتقرير أي أما كان هذا الإنسان نطفة ضعيفة من ماء مهين، يراق ويصب فى الأرحام ؟ والغرض بيان حقارة حاله، كأنه يقول إنه مخلوق من المني الذي يجري مجرى البول
[ ثم كان علقة فخلق فسوى ] أي ثم أصبح بعد ذلك قطعة من دم غليط متجمد يشبهه العلقة، فخلقه الله بقدرته في أجمل صورة، وسوى صورته وأتقنها في أحسن تقويم
[ فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ] أي فجعل من هذا الإنسان صنفين : ذكرا وأنثى بقدرته تعالى! ! هذا هو أصل الإنسان وتركيبه، فكيف يليق بمثل هذا الضيف أن يتكبر على طاعة الله ؟
[ أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ] أي أليس ذلك الإله الخالق الحكيم، الذي أنشأ هذه الأشياء العجيبة، وأوجد الإنسان من ماء مهين، بقادر على إعادة الخلق بعد فنائهم ؟ بلى إنه على كل شيء قدير، روي أن النبي (ص)، كان إذا قرأ هذه الآية قال :" سبحانك اللهم بلى " وفي رواية أخرى :" فليقل : بلى وعزة ربنا.
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها بما يلي :
١ - الطباق بين [ قدم.. وأخر ] وكذلك بين [ صدق.. وكذب ].
٢ - الاستفهام الإنكاري بغرض التوبيخ [ أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه ] ؟ ومثله [ أيحسب الإنسان أن يترك سدى ] لأن الغاية التوبيخ والتقريع.
٣ - استبعاد تحقق الأمر [ يسأل أيان يوم القيامة ] فالغرض من الاستفهام الاستبعاد والإنكار.
٤ - الجناس غير التام بين [ بنانه ] و[ بيانه ] لاختلاف بعض الحروف.
٥ - المقابلة اللطيفة بين نضارة وجوه المؤمنين، وكلاحة وجوه المجرمين [ وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة ] وبين [ ووجوه يومئذ باسرة.. ] إلخ.
٦ - الجناس الناقص بين لفظ [ الساق ] و[ المساق ].
٧ - المجاز المرسل [ وجوه يومئذ ] عبر بالوجه عن الجملة فهو من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل.
٨ - الالتفات [ أولى لك فأولى ] فيه التفات من الغيبة إلى المخاطب تقبيحا له وتشنيعا.
٩ - توافق الفواصل ويسمى في علم البديع السجع المرصع مثل [ فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر يقول الإنسان يومئذ أين المفر ] وهذا من خصائص القرآن، معجزة محمد (ص).