[ إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ] أي إن المؤمنين المتقين، الذين كانوا فى الدنيا أبرارا بطاعتهم الجبار، يشربون كأسا من الخمر، ممزوجة بأنفس أنواع الطيب وهو الكافور، قال المفسرون : الكافور طيب معروف يستحضر من أشجار ببلاد الهند والصين، وهو من أنفس أنواع الطيب عند العرب، والمراد أن من شرب تلك الكأس وجدها في طيب رائحتها، وفوحان شذاها كالكافور. قال ابن عباس : الكافور اسم عين ماء في الجنة يقال له (عين الكافور) تمتزج الكأس بماء هذه العين، ويختم بالمسك فتكون ألذ شراب، ولهذا قال تعالى :
[ عينا يشرب بها عباد الله ] أي هذا الكافور يتدفق من عين جارية من عيون الجنة، يشرب منها عباد الله الأبرار، وصفهم بالعبودية تكريما لهم وتشريفا بإضافتهم إليه تعالى [ عباد الله ] والمراد بهم المؤمنون المتقون
[ يفجرونها تفجيرا ] أي يجرونها حيث شاءوا من الدور والقصور، قال الصاوي : المراد أنها سهلة لا تمتنع عليهم، ورد أن الرجل منهم يمشى في بيوته، ويصعد إلى قصوره وبيده قضيب يشير به إلى الماء، فيجري معه حيثما دار في منازله، ويتبعه حيثما صعد إلى أعلى قصوره.. ولما ذكر ثواب الأبرار، بين صفاتهم الجليلة التي استحقوا بها ذلك الأجر الجزيل، فقال سبحانه :
[ يوفون بالنذر ] أي يوفون بما قطعوه على أنفسهم من نذر في طاعة الله، إذا نذروا طاعة فعلوها، قال الطبري : النذر كل ما أوجبه الإنسان على نفسه من فعل، فإذا نذروا بروا بوفائهم لله، بالنذور التي في طاعة الله، من صلاة، وزكاة، وحج، وصدقة، قال المفسرون : وهذا مبالغة فى وصفهم بأداء الواجبات، لأن من وفى بما أوجبه هو على نفسه، كان بما أوجبه الله عليه أوفى
[ ويخافون يوما كان شره مستطيرا ] أي ويخافون هول يوم عظيم، كانت أهواله وشدائده - من تفطر السموات، وتناثر الكواكب، وتطاير الجبال، وغير ذلك من الأهوال - ممتدة منتشرة فاشية، بالغة أقصى حدود الشدة والفزع، قال قتادة : استطار والله شر ذلك اليوم حتى بلغ السموات والأرض
[ ويطعمون الطعام على حبه ] أي ويطعمون الطعام مع شهوتهم له، وحاجتهم إليه
[ مسكينا ويتيما وأسيرا ] أي فقيرا لا يملك من حطام الدنيا شيئا، ويتيما مات أبوه وهو صغير، فعدم الناصر والكفيل، وأسيرا وهو من أسر فى الحرب من المشركين، قال الحسن البصري : كان رسول الله (ص)يؤتى بالأسير، فيدفعه إلى بعض المسلمين ويقول له : أحسن إليه فيكون عنده اليومين والثلاثة فيؤثره على نفسه.. نبه تعالى إلى أن أولئك الأبرار مع حاجتهم إلى ذلك الطعام، في سد جوعتهم وجوعة عيالهم، يطيبون نفسا عنه للبؤساء، ويؤثرونهم به على أنفسهم كقوله تعالى :[ ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ]
[ إنما نطعمكم لوجه الله ] أي إنما نحسن إليكم ابتغاء مرضاة الله وطلب ثوابه
[ لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ] أي لا نبتغي من وراء هذا الإحسان مكافأة، ولا نقصد الحمد والثناء منكم، قال مجاهد : أما والله ما قالوه بألسنتهم، ولكن علم الله به من قلوبهم، فأثنى عليهم به، ليرغب في ذلك راغب
[ إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ] أي إنما نفعل ذلك رجاء أن يقينا الله هول يوم شديد، تعبس فيه الوجوه من فظاعة أمره، وشدة هوله، وهو يوم قمطرير أي شديد عصيب
[ فوقاهم الله شر ذلك اليوم ] أي حماهم الله ودفع عنهم شر ذلك اليوم وشدته
[ ولقاهم نضرة وسرورا ] أي وأعطاهم نضرة فى الوجه، وسرورا في القلب، والتنكير فى [ سرورا ] للتعظيم والتفخييم