[ ثم شققنا الأرض شقا ] أي شققنا الأرض بخروج النبات منها شقا بديعا
[ فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا ] أي فأخبر بذلك الماء أنواع الحبوب والنباتات : حبا يقتات الناس به ويدخرونه، وعنبا شهيا لذيذا، وسائر البقول مما يؤكل رطبا
[ وزيتونا ونخلا ] أي وأخرجنا كذلك أشجار الزيتون والنخيل، يخرج منها الزيت والرطب والتمر
[ وحدآئق غلبا ] أي وبساتين كثيرة الأشجار، ملتفة الأغصان
[ وفاكهة وأبا ] أي وأنواع الفواكه والثمار، كما أخرجنا ما تراعاه البهائم قال القرطبي : الأب ما تأكله البهائم من العشب
[ متاعا لكم ولأنعامكم ] أي أخرجنا ذلك وأنبتناه ليكون منفعة ومعاشا لكم أيها الناس ولأنعامكم قال ابن كثير : وفي هذه الآيات امتنان على العباد وفيها استدلال بإحياء النبات من الأرض الهامدة، على إحياء الأجسام بعدما كانت عظاما بالية وأوصالا متفرقة.. ثم ذكر تعالى بعد ذلك أهوال القيامة فقال
[ فإذا جآءت الصآخة ] أي فإذا جاءت صحية القيامة التي تصخ الآذان حتى تكاد تصمها
[ يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ] أي في ذلك اليوم الرهيب يهرب الإنسان من أحبابه، من أخيه، أمه، وأبيه، وزوجته، وأولاده لاشتغاله بنفسه قال في التسهيل : ذكر تعالى فرار الإنسان من أحبابه، ورتبهم على مرابتهم في الحنو والشفقة، فبدأ بالأقل وختم بالأكثر، لأن الإنسان أشد شفقة على بنيه من كل من تقدم ذكره
[ لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه ] أي لكل إنسان منهم في ذلك اليوم العصيب، شأن يشغله عن شأن غيره، فإنه لا يفكر في سوى نفسه، حتى إن الأنبياء صلوات الله عليهم ليقول الواحد منهم يومئذ " نفسي نفسي " (( روى البخاري عن عائشة قالت :" سمعت رسول الله (ص) يقول : يحشر الناس حفاة، عراة، غرلا - أي غير مختونين - فقلت يا رسول الله : الرجال والنساء جميعا، ينظر بعضهم إلى بعض ؟ فقال يا عائشة : الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض " )). ولما بين تعالى حال القيامة وأهوالها، بين بعدها حال الناس وانقسامهم في ذلك اليوم إلى سعداء وأشقياء، فقال في وصف السعداء :
[ وجوه يومئذ مسفرة ] أي وجوه في ذلك اليوم مضيئة مشرقة من البهجة والسرور
[ ضاحكة مستبشرة ] أي فرحة مسرورة بما رأته من كرامة الله ورضوانه، ومستبشرة بذلك النعيم الدائم
[ ووجوه يومئذ عليها غبرة ] أي ووجوه في ذلك اليوم عليها غبار ودخان
[ ترهقها قترة ] أي تغشاها وتعلوها ظلمة وسواد
[ أولئك هم الكفرة الفجرة ] أي أولئك الموصوفون بسواد الوجوه، هم الجامعون بين الكفر والفجور، قال الصاوي : جمع الله تعالى إلى سواد وجوههم الغبرة كما جمعوا الكفر إلى الفجور.
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ـ الالتفات من الغيبة إلى الخطاب زيادة في العتاب [ عبس وتولى ]. ثم قال :[ وما يدريك لعله يزكى ] ؟ فالتفت تنبيها للرسول ﷺ إلى العناية بشأن الأعمى.
٢ـ جناس الاشتقاق بين [ يذكر.. والذكرى ].
٣ـ الكناية الرائقة [ ثم السبيل يسره ] كنى بالسبيل عن خروجه من فرج الأم.
٤ـ أسلوب التعجب [ قتل الإنسان مآ أكفره ] ؟ تعجب من إفراط كفره، مع كثرة إحسان الله إليه.
٥ـ الطباق بين [ تصدى ] وبين [ تلهى ] لأن المراد بهما تتعرض وتنشغل.
٦ـ التفصيل بعد الإجمال [ من أي شيء خلقه ] ثم فصل ذلك وبينه بقوله [ من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره ].
٧ـ المقابلة اللطيفة بين السعداء والأشقياء [ وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ] قابلها بقوله [ ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة ].


الصفحة التالية
Icon