[ علمت نفس مآ أحضرت ] أي عملت كل نفس ما أحضرت من خير أو شر، وهذه الجملة [ علمت نفس ] هي جواب ما تقدم من أول السورة [ إذا الشمس كورت ] إلى هنا، والمعنى إذا حدثت تلك الأمور العجيبة الغريبة، علمت حنيئذ كل نفس ما قدمته من صالح أو طالح.. ثم أقسم تعالىا على صدق القرآن، وصحة رسالة محمد عليه السلام فقال
[ فلا أقسم بالخنس ] أي فأقسم قسما مؤكدا بالنجوم المضيئة التي تختفي بالنهار، وتظهر بالليل
[ الجوار الكنس ] أي التي تجري وتسير مع الشمس والقمر ثم تستتر وقت غروبها، كا تستتر الظباء في كناسها ـ مغاراتها ـ قال القرطبي : النجوم تخنس بالنهار وتظهر بالليل، وتنكس وقت غروبها أي تستتر، كما تنكس الظباء في المغار وهو الكناس
[ والليل إذا عسعس ] أي وأقسم بالليل إذا أقبل بظلامه حتى غطى الكون
[ والصبح إذا تنفس ] أي وبالصبح إذا أضاء وتبلج، واتسع ضياؤه حتى صار نهارا واضحا
[ إنه لقول رسول كريم ] هذا هو المقسم عليه أي إن هذا القرآن الكريم، لكلام الله المنزل بواسطة ملك عزيز على الله هو جبريل كقوله تعالى [ نزل به الروح الأمين على قلبك ] [ الشعراء : ١٩٣ـ١٩٤ ] قال المفسرون : أراد بالرسول " جبريل " وأضاف القرآن إليه لأنه جاء به، وهو في الحقيقة قول الله تعالى، ومما يدل على أن المراد به جبريل قوله بعده
[ ذي قوة عند ذي العرش مكين ] أي شديد القوة، صاحب مكانة رفيعة، ومنزلة سامية عند الله جلا وعلا
[ مطاع ثم أمين ] أي مطاع هناك في الملأ الأعلى، تطيعه الملائكة الأبرار، مؤتمن على الوحي الذي ينزل به على الأنبياء
[ وما صاحبكم بمجنون ] أي وليس محمد الذي صاحبتموه يا معشر قريش، وعرفتم صدقه ونزاهته ورجاحة عقله بمجنون كما زعمتم قال الخازن : أقسم تعالى على أن القرآن نزل به جبريل الأمين، وأن محمدا ﷺ ليس بمجنون كما يزعم أهل مكة، فنفى عنه تعالى عنه الجنون، وكون القرآن من عند نفسه
[ ولقد رآه بالأفق المبين ] أي وأقسم لقد رأى محمد ﷺ جبريل في صورته الملكية التي خلقه الله عليها بجهة الأفق الأعلى البين من ناحية المشرق حيث تطلع الشمس قال في البحر : وهذه الرؤية بعد أمر غار حراء، حين رأى جبريل على كرسي بين السماء والأرض، في صورته له ستمائة جناح قد سد ما بين المشرق والمغرب
[ وما هو على الغيب بضنين ] أي وما محمد على الوحي ببخيل يقصر في تبليغه وتعليمه، بل يبلغ رسالة ربه بكل أمانة وصدق
[ وما هو بقول شيطان رجيم ] أي وما هذا القرآن بقول شيطان ملعون كما يقول المشركون
[ فأين تذهبون ] أي فأي طريق تسلكون في تكذيبكم للقرآن، واتهامكم له بالسحر والكهانة والشعر، مع وضوح آياته وسطوع براهنيه ؟ وهذا كما تقول لمن ترك الطريق المستقيم : هذا الطريق الواضح فأين تذهب ؟
[ إن هو إلا ذكر للعالمين ] أي ما هذا القرآن إلا موعظة وتذكرة للخلق أجمعين
[ لمن شآء منكم أن يستقيم ] أي لمن شاء منكم أن يتبع الحق، ويستقيم على شريعة الله، ويسلك طريق الأبرار
[ وما تشآءون إلا أن يشآء الله رب العالمين ] أي وما تقدرون على شيء إلا بتوفيق الله ولطفه، فاطلبوا من الله التوفيق إلى أفضل طريق.
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ـ الجناس الناقص بين [ الخنس ] و[ الكنس ].
٢ـ الاستعارة التصريحية [ والصبح إذا تنفس ] شبه إقبال النهار وسطوع الضياء بنسمات الهواء العليل التي تحيي القلب، واستعار لفظ التنفس لإقبال النهار بعد الظلام الدامس، وهذا من لطيف الاستعارة وأبلغها تصويرا حيث عبر عنه بتنفس الصبح.
٣ـ الكناية اللطيفة [ وما صاحبكم بمجنون ] كنى عن محمد ﷺ بلفظ [ صاحبكم ].


الصفحة التالية
Icon