[ النار ذات الوقود ] أي النار العظيمة المتأججة، ذات الحطب واللهب، التي أضرمها الكفار في تلك الأخاديد لإحراق المؤمنين قال أبو السعود : وهذا وصف لها بغاية العظم، وارتفاع اللهب، وكثرة ما فيها من الحطب، والقصد وصف النار بالشدة والهول.. ثم بالغ تعالى في وصف المجرمين فقال
[ إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ] أي حين هم جلوس حول النار. يتشفون بإحراق المؤمنين فيها، ويشهدون ذلك الفعل الشنيع (( خلاصة القصة " أن ملكا ظالما كافرا أسلم أهل بلده، فأمر بالأخدود فشق في أفواه السكك، وأضرم فيها النيران، ثم أمر زبانيته وجنوده أن يأتوا بكل مؤمن ومؤمنة ويعرضوه على النار، فمن لم يرجع عن دينه فليلقوه فيها ففعلوا، حتى جاءت امرأة ومعها صبى لها فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام : يا أماه اصبري فإنك على الحق " وانظر تفصيل القصة في صحيح مسلم، وسنن الترمذي )) والغرض تخويف كفار قريش، فقد كانوا يعذبون من أسلم من قومهم، ليرجعوا عن الإسلام، فذكر الله تعالى قصة " أصحاب الأخدود " وعيدا للكفار، وتسلية للمؤمنين المعذبين، ثم قال تعالى
[ وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ] أي وما كان لهم ذنب ولا انتقموا منهم، إلا لأنهم آمنوا بالله العزيز الحميد الغالب الذي لا يضام من لاذ بجانبه، الحميد في جمعي أقواله وأفعاله، والغرض أن سبب البطش بهم، وتحرقيهم بالنار، لم يكن إلا إيمانهم بالله الواحد الأحد، وهذا ليس بذنب يستحقون به العقوبة، ولكنه الطغيان والإجرام
[ الذي له ملك السماوات والأرض ] أي هذا الإله الجليل المالك لجميع الكائنات، المستحق للمجد والثناء قال في البحر : وإنما ذكر الأوصاف التي يستحق بها تعالى أن يؤمن به، وهي كونه تعالى [ عزيزا ] أي غالبا قادرا يخشى عقابه [ حميدا ] أي منعما يجب له الحمد على نعمه [ له ملك السماوات والأرض ] أي وكل من فيهما يحق عليه عبادته والخشوع له، إنما ذكر ذلك تقريرا لأن ما نقموه منهم هو الحق الذي لا ينقمه إلا مبطل منهمك في الغي
[ والله على كل شيء شهيد ] أي هو تعالى مطلع على أعمال عباده، لا تخفى عليه خافية من شئونهم، وفيه وعد للمؤمنين، ووعيد للمجرمين.. ثم شدد تعالى النكير على المجرمين الذين عذبوا المؤمين فقال
[ إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ] أي عذبوا وأحرقوا المؤمنين والمؤمنات بالنار ليفتنوهم عن دينهم
[ ثم لم يتوبوا ] أي ثم لم يرجعوا عن كفرهم وطغيانهم
[ فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق ] أي فلهم عذاب جهنم المخزي بكفرهم، ولهم العذاب المحرق إحراقهم المؤمنين.. ولما ذكر مصير المجرمين أعقبه بذكر مصير المؤمنين فقال
[ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ] أي الذين جمعوا بين الإيمانت الصادق والعمل الصالح
[ لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ] أي لهم البساتين والحدائق الزاهرة، التي تجري من تحت قصورها أنهار الجنة قال الطبري : هي أنهار الخمر واللبن والعسل
[ ذلك الفوز الكبير ] أي ذلك هو الظفر العظيم بغاية المطلوب، الذي لا سعادة ولا فوز بعده.. ثم أخبر تعالى عن انتقامه الشديد من أعداء رسله وأوليائه فقال
[ إن بطش ربك لشديد ] أي إن انتقام اله وأخذه الجبابرة والظلمة، بالغ الغاية في الشدة قال أبو السعود : البطش الأخذ بعنف، وحيث وصف بالشدة فقد تضاعف وتفاقم، وهو بطشه بالجبابرة والظلمة وأخذه إياهم بالعذاب والانتقام
[ إنه هو يبدىء ويعيد ] أي هو جل وعلا الخالق القادر، الذي يبدأ الخلق من العدم، ثم يعيدهم أحياء بعد الموت
[ وهو الغفور الودود ] أي وهو الساتر لذنوب عباده المؤمنين، اللطيف المحسن إلى أوليائه، المحب لهم قال ابن عباس : يود أولياءه كما يود أحدكم أخاه بالبشرى والمحبة


الصفحة التالية
Icon