[ وإلى الأرض كيف سطحت ] أي وإلى الأرض التي يعيشون عليها، كيف بسطت ومهدت حتى صارت شاسعة واسعة يستقرون عليها، ويزرعون فيها أنواع المزروعات ؟! قال الألوسي : ولا ينافي هذا، القول بأنها كرة أو قريبة من الكرة لمكان عظمها والحكمة في تخصيص هذه الأشياء بالذكر، أن القرآن نزل على العرب وكانوا يسافرون كثيرا في الأودية والبراري منفردين عن الناس، والإنسان إذا ابتعد عن المدينة أقبل على التفكر، فأول ما يقع بصره على البعير الذي يركبه فيرى نظرا عجيبا، وإن نظر فوق لم ير غير السماء، وإن نظر يمينا وشمالا لم ير غير الجبال، وإن نظر تحت لم ير غير الأرض، فلذلك ذكر هذه الأشياء قال ابن كثير : نبه تعالى البدوي على الاستدلال بما يشاهده من بعيره الذي هو راكب عليه، والسماء التي فوق رأسه، والجبل الذي تجاهه، والأرض التي تحته، على قدرة خالق ذلك وصانعه، وأنه الرب العظيم، الخالق المالك المتصرف، الذي لا يستحق العبادة سواه (( أثبت علماؤنا من القديم أن الأرض (كروية) كالإمام الفخر الرازي، وأبي السعود، والألوسي، كما نقلنا بعض ذلك في سورة لقمان، وأما كونها مسطحة أو مبسوطة فإنما هي بالنسبة لعظمها، حيث فيها السهول الفسيحة، والوديان، والجبال، والهضاب، وقد صورها رجال الفضاء، وهم في مراكبهم الفضائية، وهم كذلك على سطح القمر، صوروها وهي كرة عظيمة تدور في الفضاء، وتشرق وتغرب كما تشرق الشمس والقمر، فليس في القرآن ما يخالف الحقائق العلمية )) ولما ذكر تعالى دلائل التوحيد ولم يعتبر بذلك الكفار، أمر نبيه ﷺ بوعظهم وتذكيرهم فقال
[ فذكر إنمآ أنت مذكر ] أي فعظهم يا محمد وخوفهم، ولا يهمنك أنهم لا ينظرون ولا يتفكرون، فإنما أنت واعظ ومرشد
[ لست عليهم بمصيطر ] أي لست بمتسلط عليهم ولا قاهر لهم حتى تجبرهم على الإيمان
[ إلا من تولى وكفر ] أي لكن من أعرض عن الوعظ والتذكير، وكفر بالله العلي القدير
[ فيعذبه الله العذاب الأكبر ] أي فيعذبه الله بنار جهنم الدائم عذابها قال القرطبي : وإنما قال [ الأكبر ] لأنهم عذبوا في الدنيا بالجوع والقحط والقتل والأسر
[ إن إلينآ إيابهم ] أي إلنا وحدنا رجوعهم بعد الموت
[ ثم إن علينا حسابهم ] أي ثم إن علينا وحدنا حسابهم وجزاءهم.
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ـ أسلوب التشويق [ هل أتاك حديث الغاشية ] ؟
٢ـ المجار المرسل بإطلاق الجزء وإرادة الكل [ وجوه يومئذ خاشعة ] المراد أصحابها.
٣ـ الطباق في الحرف بين [ إلينآ إيابهم.. وعلينا حسابهم ].
٤ـ جناس الاشتقاق [ فذكر.. مذكر ] وبين [ يعذبه.. والعذاب ].
٥ـ المقابلة بين وجوه الأبرار ووجوه الفجار [ وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية ] قابل بينها وبين سابقتها [ وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة ].
٦ـ السجع الرصين غير المتكلف مثل [ لسعيها راضية في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية ].. الخ.
تنبيه :
روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قدم الشام، أتاه راهب شيخ كبير عليه سواد، فلما رآه عمر بكى، فقيل له : ما يبكيك يا أمير المؤمنين إنه نصراني ؟ فقال : ذكرت قول الله عز وجل [ عاملة ناصبة تصلى نارا حامية ] فبكيت رحمة عليه.