[ هل في ذلك قسم لذى حجر ] أي هل فيما ذكر من الأشياء قسم مقنع لذي لب وعقل ؟! والاستفهام تقريري لفخامة شأن الأمور المقسم بها، كأنه يقول : إن هذا لقسم عظيم عند ذوي العقول والألباب، فمن كان ذا لب وعقل علم أن ما أقسم الله عز وجل به من هذه الأشياء فيها عجائب، ودلائل تدل على توحيده وربوبيته، فهو حقيق بأن يقسم له لدلالته على الإله الخالق العظيم قال القرطبي : قد يقسم الله بأسمائه وصفاته لعلمه، ويقسم بأفعاله لقدرته كما قال تعالى [ وما خلق الذكر والأنثى ] [ الليل : ٣ ] ويقسم بمفعولاته لعجائب صنعه كما قال [ والشمس وضحاها ] [ الشمس : ١ ] [ والسمآء والطارق ] [ الطارق : ١ ] وجواب القسم محذوب تقديره : ورب هذه الأشياء ليعذبن الكفار، ويدعل عليه قوله
[ ألم تر كيف فعل ربك بعاد ] ؟ أي ألم يبلغك يا محمد ويصل إلى علمك، ماذا فعل الله بعاد قوم هود ؟
[ إرم ذات العماد ] أي عادا الأولى أهل أرم ذات البناء الرفيع، الذين كانوا يسكنون بالأحقاف بين عمان وحضرموت
[ التي لم يخلق مثلها في البلاد ] أي تلك القبيلة الي لم يخلق الله مثلهم في قوتهم، وشدتهم، وضخامة أجسامهم! والمقصود من ذلك تخويف أهل مكة بما صنع تعالى بعاد، وكيف أهلكهم وكانوا أطول أعمارا، وأشد قوة من كفار مكة! ؟ قال ابن كثير : وهؤلاء " عاد الأولى " وهم الذين بعث الله فيهم رسوله " هودا " عليه السلام فكذبوه وخالفوه، وكانوا عتاة متمردين جبارين، خارجين عن طاعة الله مكذبين لرسله، فذكر تعالى كيف أهلكهم ودمرهم، وجعلهم أحاديث وعبرا
[ وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ] أي وكذلك ثمود الذين قطعوا صخر الجبال، ونحتوا بيوتا بوادي القرى [ وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين ] [ الحجر : ٨٢ ] وكانت مساكنهم في الحجر بين الحجاز وتبوك قال المفسرون : أو ما نحت الجبال والصخور والرخام قبيلة ثمود وكانوا لقوتهم يخرجون الصخور، وينقبون الجبال فيجعلونها بيوتا لأنفسهم، وقد بنوا ألفا وسبعمائة مدينة كلها بالحجارة بوادي القرى
[ وفرعون ذى الأوتاد ] أي وكذلك فرعون الطاغية الجبار، ذي الجنود والجموع والجيوش التي تشد ملكه قال أبو السعود : وصف بذلك لكثرة جنوده وخيامهم التي يضربونها في منازلهم أو لتعذيبه بالأوتاد
[ الذين طغوا في البلاد ] أي أولئك المتجبرين " عادا، وثمود، وفرعون " الذين تمردوا وعتوا عن أمر الله، وجاوزوا الحد في الظلم والطغيان
[ فأكثروا فيها الفساد ] أي فأكثروا في البلاد الظلم والجور والقتل : وسائر المعاصي والآثام
[ فصب عليهم ربك سوط عذاب ] أي فأنزل عليهم ربك ألوانا شديدة من العذاب بسبب إجرامهم وطغيانهم قال المفسرون : استعمل لفظ الصب لاقتضائه السرعة في النزول على المضروب، كما قال القائل " صببنا عليهم ظالمين سياطنا " والمراد أنه تعالى أنزل على كل طائفة نوعا من العذاب، فأهلكت عاد بالريح، وثمود بالصيحة، وفرعون وجنوده بالغرق كما قال تعالى [ فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا ] [ العنكبوت : ٤٠ ]
[ إن ربك لبالمرصاد ] أي إن ربك يا محمد ليرقب عمل الناس، ويحصيه عليهم، ويجازيهم به قال في التسهيل : المرصاد المكان الذي يرتقب فيه الرصد، والمراد أنه تعالى رقيب على كل إنسان، وأنه لا يفوته أحد من الجبابرة والكفار، وفي ذلك تهديد لكفار قريش.. ولما ذكر تعالى ما حل بالطغاة المتجبرين، ذكر هنا طبيعة الإنسان الكافر، الذي يبطر عند الرخاء، ويقنط عند الضراء فقال
[ فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه ] أي إذا اختبره وامتحنه ربه بالنعمة
[ فأكرمه ونعمه ] أي فأكرمه بالغنى واليسار، وجعله منعما في الدنيا بالبنين والجاه والسلطان