[ فيقول ربي أكرمن ] أي فيقول ربي أحسن إلي بما أعطاني من النعم التي أستحقها، ولم يعلم أن هذا ابتلاء له أيشرك أم يكفر ؟
[ وأمآ إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه ] أي وأما إذا اختبره وامتحنه ربه بالفقر وتضييق الرزق
[ فيقول ربي أهانن ] أي فيقول غافلا عن الحكمة : إن ربي أهانني بتضييقه الرزق علي قال القرطبي : وهذه صفة الكافر الذي لا يؤمن بالبعث، وإنما الكرامة عنده والهوان بكثرة الحظ في الدنيا وقلته، وأما المؤمن فالكرامة عنده أن يكرمه الله بطاعته وتوفيقه المؤدي إلى حظ الآخرة، وإن وسع عليه في الدنيا حمده وشكره، وإنما أنكر تعالى على الإنسان قوله [ ربي أكرمن ] وقوله [ ربي أهانن ] لأنه إنما قال ذلك على وجه الفخر والكبر، لا على وجه الشكر، وقال : أهانن على وجه التشكي من الله وقلة الصبر، وكان الواجب عليه أن يشكر على الخير، ويصبر على الشر، ولهذا ردعه وزجره بقوله
[ كلا بل لا تكرمون اليتيم ] أي ليس الإكرام بالغنى، والإهانة بالفقر كما تظنون، بل الإكرام والإهانة بطاعة الله ومعصيته ولكنكم لا تعلمون، ثم قال [ بل لا تكرمون اليتيم ] أي بل أنتم تفعلون ماهو شر من ذلك، وهو أنكم لا تكرمون اليتيم مع إكرام الله لكم بكثرة المال!!
[ ولا تحآضون على طعام المسكين ] أي ولا يحض بعضكم بعضا ولا يحثه على إطعام المحتاج وعون المسكين
[ وتأكلون التراث أكلا لما ] أي وتأكلون الميران أكلا شديدا، لا تسألون أمن حلال هو أم من حرام ؟ قال في التسهيل : هو أن يأخذ الميراث نصيب ونصيب غيره، لأن العرب كانوا لا يعطون من الميراث أنثى ولا صغيرا، بل ينفرد به الرجال
[ وتحبون المال حبا جما ] أي وتحبون المال حبا كثيرا مع الحرص والشره، وهذا ذم لهم لتكالبهم على المال، وبخلهم بإنفاقه
[ كلا إذا دكت الأرض دكا دكا ] [ كلا ] للردع أي وارتدعوا أيها الغافلون وانزجروا عن ذلك، فأمامكم أهوال عظيمة في ذلك اليوم العصيب، وينعدم
[ وجآء ربك والملك صفا صفا ] أي وجاء ربك يا محمد لفصل القضاء بين العباد، وجاء الملائكة صفوفا متتابعة صفا بعد صف قال في التسهيل : قال المنذر بن سعيد : معناه ظهوره للخلق هنالك، وهذه الآية وأمثالها مما يجب الإيمان به من غير تكييف ولا تمثيل وقال ابن كثير : قام الخلائق من قبورهم لربهم، وجاء ربك لفصل القضاء بين خلقه، وذلك بعدما يستشفعن إليه بسيد ولد آدم محمد ﷺ، فيجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفا صفوفا
[ وجيء يومئذ بجهنم ] أي وأحضرت جهنم ليراها المجرمون كقوله [ وبرزت الجحيم لمن يرى ] [ النازعات : ٣٧ ] وفي الحديث " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها "
[ يومئذ يتذكر الإنسان ] أي في ذلك اليوم الرهيب، والموقف العصيب، يتذكر الإنسان علمه، ويندم على تفريطه وعصيانه، ويريد أن يقلع ويتوب
[ وأنى له الذكرى ] أي ومن أين يكون له الانتفاع بالذكرى وقد فات أوانها ؟!
[ يقول ياليتني قدمت لحياتي ] أي يقول نادما متحسرا : يا ليتني قدمت عملا صالحا ينفعني في آخرتي، لحياتي الباقية قال تعالى
[ فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ] أي ففي ذلك اليوم ليس أحد أشد عذابا من تعذيب الله من عصاه
[ ولا يوثق وثاقه أحد ] أي ولا يقيد أحد بالسلاسل والأغلال مثل تقييد الله للكافر الفاجر، وهذا في حق المجرمين من الخلائق، فأما النفس الزكية المطمئنة فيقال لها
[ ياأيتها النفس المطمئنة ] أي يا أيتها النفس الطاهرة الزكية، المطمئنة بوعد الله التي لا يلحقها اليوم خوف ولا فزع