[ أو إطعام في يوم ذي مسغبة ] أي أو أن يطعم الفير في يوم عصيب ذي مجاعة، قال الصاوي وقيد الإطعام بيوم المجاعة، لأن إخراج المال فيه أشد على النفس
[ يتيما ذا مقربة ] أي أطعم اليتيم الذي بينه وبينه قرابة
[ أو مسكينا ذا متربة ] أو المسكين الفقير البائس الذي قد لصق بالتراب من فقره وضره، وهو كناية عن شدة الفقر والبؤس قال ابن عباس : هو المطروح على ظهر الطريق لا يقيه من التراب شيء
[ ثم كان من الذين آمنوا ] أي عمل هذه القربات لوجه الله تعالى، وكان مع ذلك مؤمنا صادق الإيمان قال المفسرون : وفي الآية إشارة أن هذه القرب والطاعات لا تنفع إلا مع الإيمان
[ وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ] أي وأوصى بعضهم بعضا بالصبر على الإيمان وطاعة الرحمن، وبالرحمة والشفقة على الضعفاء والمساكين
[ أولئك أصحاب الميمنة ] أي هؤلاء الموصوفون بهذه الصفات الجليلة، هم أصحاب الجنة الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم، ويسعدون بدخول جنات النعيم
[ والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة ] قرن بين الأبرار والفجار على طريقة القرآن في الترغيب والترهيب، لبيان المفارقة الهائلة بين أهل الجنة وأهل النار، وبين السعداء والأشرار أي والذين جحدوا نبوة محمد وكذبوا بالقرآن هم أهل الشمال ـ أهل النار ـ لأنهم يأخذون كتبهم بشمائلهم، وعبر عنهم بضمير الغائب إشارة إلى أنهم غائبون عن حضرة قدسه، وكرامة أنسه
[ عليهم نار مؤصدة ] أي عليهم نار مطبقة مغلقة، لا يدخل فيها روح ولا ريحان، ولا يخرجون منها أبد الزمان.. اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، ونجنا من ذلك يا رب.
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البديع والبيان نوجزها فيما يلي :
١ـ زيادة [ لا ] لتأكيد الكلام، وهو مستفيض في كلام العرب [ لا أقسم بهذا البلد ] أي أقسم بهذا البلد، وفائدتها تأكيد القسم كقولك : لا والله ما ذاك كما تقول أي والله قال امرؤ القيس :" لا وأبيك ابنة العامري ".
٢ـ جناس الاشتقاق [ ووالد وما ولد ] فكل من الوالد والولد مشتق من الولادة.
٣ـ الاستفهام الإنكاري للتوبيخ [ أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ] ؟ ومثله [ أيحسب أن لم يره أحد ] ؟
٤ـ الاستفهام التقريري للتذكير بالنعم [ ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين ] ؟
٥ـ الاستفهام للتهويل والتعظيم [ ومآ أدراك ما العقبة ] ؟ لأن الغرض تعظيم شأنها.
٦ـ الاستعارة اللطيفة [ وهديناه النجدين ] أي طريقي الخير والشر، وأصل النجد الطريق المرتفع، استعير كل منهما لسلوك طريق السعادة، وسلوك طريق الشقاوة.
٧ـ الاستعارة كذلك في قوله [ فلا اقتحم العقبة ] لأن أصل العقبة الطريق الوعر في الجبل، واستعيرت هنا للأعمال الصالحة لأنها لا تصعب وتشق على النفوس، ففيه استعارة تبعية.
٨ـ الجناس الناقص بين [ مقربة ] و[ متربة ] لتغير بعض الحروف.
٩ـ المقابلة اللطيفة بين [ أولئك أصحاب الميمنة ] وبين [ هم أصحاب المشأمة ].
١٠ـ مراعاة الفواصل ورءوس الآيات مثل [ لا أقسم بهذا البلد.. ووالد وما ولد لقد خلقنا الإنسان في كبد ] ومثل [ عينين ولسانا وشفتين ] وهو من المحسنات البديعية.