[ والأرض وما طحاها ] أي وأقسم بالأرض ومن بسطها من كل جانب، وجعلها ممتدة ممهدة، صالحة لسكنى الإنسان والحيوان، وهذا لا ينافي كرويتها كما قال المفسرون، لأن الغرض من الآية الإمتنان، بجعل الأرض ممتدة واسعة، ميسرة للزراعة والفلاحة وسكنى الإنسان
[ ونفس وما سواها ] أي وأقسم بالنفس البشرية وبالذي أنشأها وأبدعها، وجعلها مستعدة لكمالها، وذلك بتعديل أعضائها، وقواها الظاهرة والباطنة، ومن تمام تسويتها أن وهبها العقل، الذي تميز به بين الخير والشر، والتقوى والفجور، ولهذا قال
[ فألهمها فجورها وتقواها ] أي وعرفها طريق الفجور والتقوى، وما تميز به بين رشدها وضلالها، قال ابن عباس : بين لها الخير والشر، والطاعة والمعصية، وعرفها ما تأتي وما تتقى، قال المفسرون : أقسم سبحانه بسبعة أشياء (الشمس، والقمر، والليل، والنهار، والسماء، والأرض، والنفس البشرية) إظهارا لعظمة قدرته، وانفراده بالألوهية، وإشارة إلي كثرة مصالح تلك الأشياء وعظم نفعها، وأنها لابد لها من صانع ومدبر لحركاتها وسكناتها، وقال الإمام الفخر : لما كانت الشمس أعظم المحسوسات، ذكرها تعالى مع أوصافها الأربعة، الدالة على عظمها، ثم ذكر سبحانه ذاته المقدسة، ووصفها جل وعلا بصفات ثلاث، ليحظى العقل بإدراك جلال الله تعالى وعظمته، كما يليق به جل جلاله، فكان ذلك طريقا إلى جذب العقل، من حضيض عالم المحسوسات، إلى بيداء أوج كبريائه جل شأنه
[ قد أفلح من زكاها ] هذا هو جواب القسم، أي لقد فاز وأفلح من زكي نفسه بطاعة الله، وطهرها من دنس المعاصي والآثام
[ وقد خاب من دساها ] أي وقد خسر وخاب، من حقر نفسه بالكفر والمعاصي، وأوردها موارد الهلكة، فإن من طاوع هواه، وعصى أمر مولاه، فقد نقص من عداد العقلاء، والتحق بالجهلة الأغبياء. ثم ضرب تعالى مثلا لمن طغى وبغى، ولم يطهر نفسه من دنس الكفر والعصيان، فذكر قبيلة [ ثمود ] قوم صالح عليه السلام، فقال سبحانه
[ كذبت ثمود بطغواها ] أي كذبت ثمود نبيها بسبب طغيانها
[ اذ انبعث أشقاها ] أي حين انطلق أشقى القوم، بسرعة ونشاط ليعقر الناقة، قال ابن كثير : وهو " قدار بن سالف " الذي قال الله فيه [ فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر ] وكان عزيزا شريفا في قومه، ورئيسا مطاعا فيهم، وهو أشقى القبيلة
[ فقال لهم رسول الله ] أي فقال لهم صالح عليه السلام
[ ناقة الله وسقياها ] أي احذروا ناقة الله أن تمسوها بسوء، واحذروا أيضا أن تمنعوها من سقياها، أي شربها ونصيبها من الماء، كما قال تعالى [ لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ]
[ فكذبوه فعقروها ] أي فكذبوا نبيهم صالحا وقتلوا الناقة، ولم يلتفتوا إلي تحذيره
[ فدمدم عليهم ربهم بذنبهم ] أي فأهلكهم الها ودمرهم عن آخرهم، بسبب إجرامهم وطغيانهم قال الخازن : والدمدمة : هلاك باستئصال، والمعنى : أطبق عليهم العذاب إطباقا فلم ينفلت منهم أحد
[ فسواها ] أي فسوى بين القبيلة في العقوبة، فلم يفلت منهم إنسان، لا صغير ولا كبير، ولا غنى ولا فقير
[ ولا يخاف عقباها ] أي ولا يخاف تعالى عاقبة إهلاكهم وتدميرهم، كما يخاف الرؤساء والملوك عاقبة ما يفعلون، لأنه تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون !.
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - الطباق بين [ الشمس والقمر ] و[ الليل والنهار ] وبين [ فجورها وتقواها ].
٢- المقابلة اللطيفة بين [ والنهار إذا جلاها ] وبين [ والليل إذا يغشاها ] وبين [ قد أفلح من زكاها ] وبين [ قد خاب من دساها ] وكل من الطباق والمقابلة من المحسنالت البديعية.