[ وهذا البلد الأمين ] أي وأقسم بالبلد الأمين " مكة المكرمة " التي يأمن فيها من دخلها على نفسه وماله، كقوله تعالى [ أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ] ! ! قال الألوسي : هذه أقسام ببقاع مباركة - شريفة علي ما ذهب إليه الكثيرون - فأما البلد فمكة المكرمة - حماها الله - بلا خلاف، وأما طور سينين فالجبل الذي كلم الله تعالى موسى عليه، ويقال له - : طور سيناء، وأما التين والزيتون فروي عن قتادة أن المراد بهما جبلان : أحدهما بدمشق، والثاني ببيت المقدس، وعنى بالتين والزيتون منبتيهما، وقيل : المراد بهما الشجران المعروفان وهو قول ابن عباس ومجاهد، والغرض من القسم بتلك الأشياء : الإبانة عن شرف البقاع المباركة، وما ظهر فيها من الخير والبركة ببعثة الأنبياء والمرسلين. وقال ابن كثير : ذهب بعض الأئمة إلى أن هذه محال ثلاث، بعث الله في كل منها نبيا مرسلا من أولي العزم، أصحاب الشرائع الكبار، فالأول : محلة التين والزيتون وهي " بيت المقدس " التي بعث الله فيها عيسى عليه السلام، والثاني : طور سينين وهو " طور سيناء " الذي كلم الله عليه موسى بن عمران، والثالث : البلد الأمين الذي من دخله كان آمنا، وهو الذي أرسل الله فيه محمدا(ص) وقد جاء في آخر التوراة ذكر هذه الأمإلىن الثلاثة (جاء الله من طور سيناء - الجبل الذي كلم اله عليه موسى- وأشرق من ساعير-يعني جبل بيت المقدس الذي بعث الله منه عيسى- واستعلن من جبال فاران - يعني جبال مكة التي أرسل الله منها محمدا(ص) فذكرهم بحسب ترتيبهم بالزمان، وأقسم بالأشرف ثم الأشرف منه، ثم بالأشرف منهما، وجواب القسم هو قوله
[ لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم ] أي لقد خلقنا جنس الإنسان، في أحسن شكل، متصفا بأجمل وإلىمل الصفات، من حسن الصورة، وإنتصاب القامة، وتناسب الأعضاء، مزينا بالعلم والفهم، والعقل والتمييز، والنطق والأدب، قال مجاهد :[ أحسن تقويم ] أحسن صورة، وأبدع خلق
[ ثم رددناه أسفل سافلين ] أي ثم أنزلنا درجته إلى أسفل سافلين، لعدم قيامه بموجب ما خلقناه عليه، حيث لم يشكر نعمة خلقنا له في أحسن صورة، ولم يستعمل ما خصصناه به من المزايا في طاعتنا، فلذلك سنرده إلي أسفل سافلين وهي جهنم، قال مجاهد والحسن :[ أسفل سافلين ] أسفل دركات النار، وقال الضحإلى : أي رددناه إلى أرذل العمر، وهو الهرم بعد الشباب، والضعف بعد القوة قال الألوسي : والمتبادر من السياق الإشارة إلى حالة الكافر يوم القيامة، وأنه يكون على أقبح صورة وأبشعها، بعد أن كان على أحسن صورة وأبدعها
[ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ] أي إلا المؤمنين المتقين، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح
[ فلهم أجر غير ممنون ] أي فلهم ثواب دائم، غير مقطوع عنهم، وهو الجنة دار المتقين
[ فما يكذبك بعد بالدين ] الخطاب للإنسان على طريقة الإلتفات أي فما سبب تكذيبك أايها الإنسان، بعد هذا البيان وبعد وضوح الدلائل والبراهين ؟ فإن خلق الإنسان من نطفة، وإيجاده في أجمل شكل، وأبدع صورة، من أوضح الدلائل على قدرة الله عز وجل، على البعث والجزاء، فما الذي يدعوك إلى التكذيب بيوم الدين بعد هذه البراهين ؟
[ أليس الله بأحكم الحاكمين ] أي أليس الله الذي خلق وأبدع، بأعدل العادلين، حكما وقضاء، وفصلا بين العباد ؟ ! وفي الحديث أن النبي (ص) كان إذا قرأها قال :(بلى وأنا على ذلك من الشاهدين.
البلاغه :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١- المجاز العقلي باطلاق الحال لارادة المحل [ والتين والزيتون ] أراد موضعهما الشام وبيت المقدس على القول الراجح.
٢- الطباق بين [ أحسن تقويم ] وبين [ أسفل سافلين.


الصفحة التالية
Icon